الحمد لله.
أولا :
ثبت في السنة النبوية في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم رفع الإصبع السبابة في التشهد في الصلاة ، وقد سبق تفصيل الكلام على المسألة بأدلتها في موقعنا في الجواب رقم : (7570)، (11527)
ثانيا :
نص الفقهاء على أن مَن أشار بالسبابة في أي جزء من التشهد فقد حقق أصل السنة ،
واقتدى بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته ، وإنما الكلام ـ بالنسبة لاختيار
موضع الرفع ـ إنما هو في الأفضلية .
قال الشيخ أحمد البرلسي عميرة الشافعي (توفي 957هـ) :
" كيفما فعل المصلي من الهيئات المذكورة حصَّل السنة ، وإنما الخلاف في الأفضل "
انتهى من " حاشية عميرة " (1/188) . وينظر : (المجموع) للنووي (3/434).
وهذا الخلاف في الأفضلية أمر اجتهادي له حظ من النظر ؛ لعدم صراحة النصوص الواردة
في الموضوع .
وقد جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاَةِ وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى
عَلَى رُكْبَتِهِ ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ يَدْعُو بِهَا ،
وَيَدُهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهِ )
رواه الترمذي (رقم/294) وقال : حديث ابن عمر حديث حسن غريب ، لا نعرفه من حديث عبيد
الله بن عمر إلا من هذا الوجه ، والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم والتابعين ، يختارون الإشارة في التشهد ، وهو قول أصحابنا " انتهى.
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
فقوله : ( ورفع إصبعه التي تلي الإبهام يدعو بها ) يدل على أن الرفع يبدأ عند
الدعاء في التشهد ، والدعاء يبدأ من الشهادتين لما فيهما من تقديم الاعتراف
والإقرار بوحدانية الله عز وجل ، وذلك أدعى للقبول ، ثم بعدها يشرع في الدعاء
المقصود : ( اللهم صل على محمد ) إلى آخر التشهد حتى يفرغ من التسليم ، وأما بداية
التشهد ( التحيات لله...إلى قولنا : وعلى عباد الله الصالحين ) فليست من الدعاء ،
وإنما هي من الثناء على الله ، والسلام على عباده .
والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في هذه المسألة تدل على أن الإشارة بالسبابة
يراد بها الإشارة إلى التوحيد والإخلاص ، فالأصبع الواحد حكاية فعلية عن الإيمان
بالله الواحد لا شريك له ، فناسب أن تكون بداية الإشارة بها هو لفظ الشهادة ( أشهد
أن لا إله إلا الله )
لذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما :
" هو الإخلاص "
وقال إبراهيم النخعي رحمه الله :
" إذا أشار الرجل بإصبعه في الصلاة فهو حسن ، وهو التوحيد "
رواهما ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/368)
فهذا وجه من قال من الفقهاء إن بداية الإشارة بالسبابة تكون عند شهادة التوحيد .
وأما الانتهاء فلم يذكر الصحابة الذين وصفوا رفع السبابة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يضعها ، فيبقى الرفع إلى الفراغ من التسليم ، خاصة وأن آخر التشهد كله
دعاء .
قال أبو عبد الله الخرشي المالكي (ت1101هـ) رحمه الله :
" من أول التشهد لآخره ، وهو أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ،
والموافق لما ذكروه ..أن ينتهي إلى السلام ولو طال التشهد " انتهى من " شرح مختصر
خليل " (1/288) .
ووافقهم الشافعية على أن الإشارة إنما تكون عند الشهادتين ، لكنهم زادوا الأمر
تفصيلا وتدقيقا ، ربما يعوزه الدليل ، فقالوا : إن بداية الرفع إنما يكون عند بلوغه
الهمزة من قوله في الشهاديتن : (إلا الله) .
قال الإمام النووي رحمه الله :
"وعلى الأقوال والأوجه كلها : يستحب أن يشير بمسبحة يمناه ، فيرفعها إذا بلغ الهمزة
من قوله : (لا إله إلا الله ) .. " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (3/434) .
وقال الإمام الرملي الشافعي ، رحمه الله:
" ويرفعها عند قوله : ( إلا الله ) بأن يبتدئ به عند الهمزة ؛ للاتباع في ذلك رواه
مسلم...وهو ظاهر أو صريح في بقائها مرفوعة إلى القيام ، أو السلام , وما بحثه جمع
متأخرون من إعادتها مخالف للمنقول " انتهى من "نهاية المحتاج" (1/522) .
ومن أهل العلم من قال : إن
الإشارة تكون من أول التشهد ، فالتشهد كله دعاء ، وقد ثبت في الحديث أنه كان يدعو
بها ، وما في أوله : ( التحيات لله ... ) إنما هو ثناء بين يدي الدعاء ، فهو منه ،
وليس خارجا عنه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "تستحب الإشارة بالأصبع الواحدة في التشهد
والدعاء" . "الاختيارات" (38) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/56) :
الإشارة بالأصبع طول التشهد وتحريكها عند الدعاء وقبض ما يقبض من الأصابع يستمر إلى
السلام ." انتهى .
وعلى كل حال : فالمسألة
اجتهادية خلافية ، والأقوال فيها إنما تتعلق بفرع يسير من فروع هيئات الصلاة ، لا
حرج على من خالف هذا الاجتهاد واتبع ما رآه راجحا عن بينة .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" أيضا (5/368) :
"رفع السبابة في التشهد سنة، وحكمته الإشارة إلى الوحدانية ومن شاء حركها ومن شاء
لم يحركها، الأمر في هذا لا يوجب الفرقة والشقاق بين طلاب العلم، فلو لم يرفعها
أصلا أو رفعها ولم يحركها ، فإن الأمر في ذلك سهل لا يوجب الإنكار والنفرة ، لكن
السنة هي رفعها في جميع التشهدين إلى أن يسلم المصلي ، إشارة إلى التوحيد، أما
التحريك فيكون عند الدعاء كما صحت بذلك السنة" . انتهى من (فتاوى اللجنة) (5/368) .
وينظر جواب السؤال رقم (7570)
.
والله أعلم .
تعليق