الحمد لله.
لا يتعيَّن على المسلم فعل شيء إلا أن يوجبه الشرع عليه ، وليس في نصوص الشرع – فيما نعلم – ما يوجب عليك مسامحة من أخطأ في حقك ظلماً وعلوّاً ، وأما فيما يتعلق بمجاهرته بالمعصية فإنه لا تعلق لها بمسامحة منك ؛ لأنها ذنب بين العاصي وربِّه.
وانظري في حكم المجاهرة بالمعصية جوابي السؤالين ( 3365 ) و ( 20642 ) .
وأما الذي يؤذي الناس
بأقواله وأفعاله فإنه يكتسب بذلك آثاماً وذنوباً ، فليحذر من سخط الله وعقابه في
الدنيا والآخرة ، قال تعالى ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ
النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ ) الشورى/ 42 ، وقال تعالى ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً
وَإِثْماً مُبِيناً ) الأحزاب/ 58 .
ونحن نوصيكِ – أختنا السائلة – بالصبر على ما تجدينه من أذى من أقربائك ، فالمسلم
له رسالة سامية في حياته وهي دعوة الناس للخير وخاصة الأقربين منهم ، ومن المتوقع
أن يجد عنتاً ومشقة في دعوته تلك لما قد يواجهه من الغلاظ الشداد من الناس ، ولذا
فإن عليه أن يصبر على الأذى في سبيل الله كما صبر أولوا العزم من الرسل وهم قدوات
العالَمين .
ونوصيكِ بتنويع طرق إيصال الخير لذلك القريب وغيره سواء بالأشرطة أو الكتيبات ، أو
عن طريق بعض من يثق بهم ويحبهم من عقلاء الناس ، فيكلمونه ويعظونه ، فلعله أن يدع
قول السوء وفعله .
ونوصيكِ بالدعاء له بأن يشرح ربه له صدره للحق والصواب ، وأن يهديه لأحسن الأقوال
والأفعال والأخلاق .
وأخيراً : فإن المسلم إذا
علمَ عظيم الأجر من الله على عفوه عمن ظلمه ، ومسامحته له وهو قادر على رد الإساءة
، تطلع إلى ذلك الأجر والثواب وعفا وسامح في حقه ، حتى ولو لم يكن العفو فرضا واجبا
عليه في الأصل ؛ وهو ما ندعوكِ إلى فعله حتى تنالي أجر العفو والمسامحة من رب
العالمين ، يوم تكونين أحوج شيء إلى حسنة تزيدين فيها صحائفك ، قال الله تعالى (
إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهْ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوء فَإِنَّ ٱللَّهَ
كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً ) النساء/ 149 .
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - : " يعني بذلك : أن الله لم يزل ذا عفو على
عباده مع قدرته على عقابهم على معصيتهم إياه ، فاعفوا أنتم أيضاً أيها الناس عمن
أتى إليكم ظلماً ، ولا تجهروا له بالسوء من القول ، وإن قدرتم على الإساءة إليه ،
كما يعفو عنكم ربكم مع قدرته على عقابكم وأنتم تعصونه وتخالفون أمره " انتهى من
"تفسير الطبري" ( 9 / 351 ).
وقال الله تعالى ( وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ .
وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى
ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ ) الشورى/ 39 ، 40 .
قال ابن كثير – رحمه الله - : " فشرع العدل وهو القصاص ، وندب إلى الفضل وهو العفو
" انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 7 / 212 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " وفي جعل أجر العافي على الله :
تهييج على العفو ، وأن يعامل العبدُ الخلقَ بما يحب أن يعامله الله به ، فكما يحب
أن يعفو الله عنه فليعف عنهم ، وكما يحب أن يسامحه الله فليسامحهم ؛ فإن الجزاء من
جنس العمل " انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 760 ) .
وانظري جوابي السؤالين ( 163175 )
و ( 21918 ) .
والله أعلم
تعليق