الحمد لله.
أولاً :
الأصل في الأذكار والأوراد : أن يُلتزَم فيها بما ورد في النصوص الشرعية من حيثُ ألفاظُها ، وكيفيتها ، وعددها ، وزمانها ، ومكانها ، فلا نلتزم ذكراً أو ورداً بكيفية محددة ، أو وقت معين ، أو عدد محدد ، إلا بما ورد وثبت في السنة النبوية .
وأما الأوراد المخترعة ، أو التي تُروى عن بعض العلماء ، فلا يجوز التزامها كورد ثابت .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَسُنَّ لِلنَّاسِ نَوْعًا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ غَيْرِ الْمَسْنُونِ ، وَيَجْعَلَهَا عِبَادَةً رَاتِبَةً يُوَاظِبُ النَّاسُ عَلَيْهَا كَمَا يُوَاظِبُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ؛ بَلْ هَذَا ابْتِدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ بِهِ ؛ بِخِلَافِ مَا يَدْعُو بِهِ الْمَرْءُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلنَّاسِ سُنَّةً ... وَأَمَّا اتِّخَاذُ وِرْدٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ وَاسْتِنَانُ ذِكْرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ : فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ .
وَمَعَ هَذَا ، فَفِي الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ غَايَةُ الْمَطَالِبِ الصَّحِيحَةِ ، وَنِهَايَةُ الْمَقَاصِدِ الْعَلِيَّةِ ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ إلَّا جَاهِلٌ ، أَوْ مُفَرِّطٌ ، أَوْ مُتَعَدٍّ " . انتهى ، "مجموع الفتاوى" (22/511) .
وقال الشيخ عبد الرزاق العباد حفظه الله : " فالأدعيةَ المأثورةَ مشتملةٌ على جِماع الخير ، وتمامِ الأمرِ ، ونهايةِ المقاصدِ العليَّة ، وأشرفِ المطالبِ الصحيحة ، إلاَّ أنَّك ترى في كثيرٍ من الناس مَن يعدِلُ عنها ويرغَبُ في غيرها ، بل ولربَّما فضَّل غيرَها عليها ، ومِن هؤلاء مَن يجعلُ لنفسه وِرْداً خاصًّا قاله بعضُ الشيوخ ، فيلتزمُه ويحافظُ عليه ويعظِّمُ من شأنه ، ويقدِّمُه على الأدعية المأثورة ، والأورادِ الصحيحةِ الثابتة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهذا من أشدِّ الناس نكوباً عن الجادَّة ". انتهى من " فقه الأدعية والأذكار" للشيخ عبد الرزاق العباد (2/ 47).
وقال العلاَّمة المعلّمي رحمه الله: "
... وما أخسر صفقة مَن يَدَع الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، أو في
سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يكاد يدعو بها ، ثمَّ يعمدُ إلى غيرِها
فيَتحرَّاه ويُواظبُ عليه ، أليس هذا من الظلم والعدوان؟ ". انتهى ، " كتاب
العبادة" صـ524 .
وينظر جواب السؤال ( 6745 ) ففيه
زيادة بيان .
ثانياً :
هذا الورد نسبه بعض العلماء للإمام النووي رحمه الله تعالى ، ولا نستطيع الجزم بهذه
النسبة ؛ لعدم وجود أدلة كافية لإثبات هذه النسبة ، خاصةً أن الإمام النووي قد جمع
كتاباً عظيماً في الأذكار ، ولم يشر من قريب ولا بعيد إلى هذا الورد المنسوب إليه .
وعلى فرض ثبوت نسبته للإمام النووي ، فهو اجتهاد منه رحمه الله تعالى ، والله لم
يجعل لنا قدوة نتأسى به في جميع أقواله وأحواله إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم
فقال : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَيْبًا : مَنْ يَتَّخِذُ
حِزْبًا لَيْسَ بِمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَإِنْ كَانَ حِزْبًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَيَدَعُ الْأَحْزَابَ
النَّبَوِيَّةَ الَّتِي كَانَ يَقُولُهَا سَيِّدُ بَنِي آدَمَ ، وَإِمَامُ
الْخَلْقِ ، وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ". انتهى ، " مجموع الفتاوى"
(22/525) .
فالخيرُ كلُّ الخير في اتِّباع الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم ، والاهتداءِ بهديِه وترسمِ خُطاه ، ولزوم نهجه ، فهو
القدوةُ لأمَّته ، والأُسوةُ الحسنةُ لهم ، وقد كان أكملَ الناس ذكراً لله ،
وأحسنَهم قياماً بدعائه سبحانه .
والله أعلم .
تعليق