الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

حكم اختراع أذكار أو الاستدلال بالمنامات على صحتها

السؤال

ذكرت في قسم البدعة أن قراءة سورة ما مثلاً 100 مرة طلباً للثواب من البدعة ، بعد قراءة كتاب للصوفية لكاتبه حكيم معين الدين شيشتي بعنوان " براءة الصوفية " برر فيه استعمال هذه الطرق وغيرها وأنها إلهام من الله خلال النوم ، ليثق الناس القريبين من الله .
هل هذا من البدعة ؟ كيف نتبين صدقهم ؟ هل هذا جائز في الإسلام ؟.

الجواب

الحمد لله.

1. وصف الله تعالى أولياءه بوصفين اثنين : الإيمان والتقوى ، قال الله تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون [ يونس 62 ] ، فمن كان مؤمناً تقيّاً : كان لله وليّاً .

2. وأولياء الله تعالى لا يخالفون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع في الدين ، لأن الله تعالى قد أكمل دينه ، وأتمم نعمته على عباده ، فقال اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً   [ المائدة 3 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".

3. وعليه : فإنك تستطيع أن تميز الولي لله تعالى من ولي الشيطان ، وذلك بأن تبحث عن حاله في نفسه وخلقه ودينه من حيث الالتزام بالصلاة في جماعة في المسجد مثلا ، ومن حيث تنزهه عن أكل أموال الناس بالباطل ، ومن حيث عدم تعديه على الشرع بزيادة أو نقصان ، وهكذا .

4.  لايجوز إحداثُ ذِكرٍ يتعاهده المسلم، أو يوصي به غيرَه - كالأوراد والمأثورات والأدعية -، ويكفيه ما جاء في السنَّة الصحيحة في هذا، وإلا كان مبتدعاً ، أو داعيةً إلى البدعة ، قال صلى الله عليه وسلم "منْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" رواه البخاري    (2550) ، مسلم ( 1718 ) ، وفي رواية "مسلم" ( 1718 ) "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".  

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وهذا الحديث أصلٌ عظيمٌ مِن أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أنَّ حديث "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات" ميزانٌ للأعمال في باطنها، فكما أنَّ كلَّ عملٍ لا يُراد به وجهُ الله تعالى؛ فليس لعامله فيه ثوابٌ ، فكذلك كلُّ عملٍ لا يكون عليه أمر الله ورسوله؛ فهو مردودٌ على عامله،  وكلُّ مَن أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس مِن الدين في شيءٍ.أ.ه‍ "جامع العلوم والحكم" (1/180)

وقال النووي رحمه الله: وهذا الحديث قاعدةٌ عظيمةٌ مِن قواعد الإسلام، وهو مِن جوامع كَلِمه صلى الله عليه وسلم ؛فإنَّه صريحٌ في رد البدع والمخترعات، وفي الرواية الثانية زيادة وهي: أنَّه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعةٍ سُبق إليها، فإذا احتُج عليه بالرواية الأولى أي:  " مَن أحدث  "- يقول: أنا ما أحدثتُ شيئاً، فيُحتج عليه بالثانية أي:"مَن عمل "- التي فيها التصريح بردِّ كلِّ المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سُبق بإحداثها...  وهذا الحديث مما ينبغي حفظه، واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به. أ.ه‍ "شرح مسلم" (12/16).

5. وقال شيخ الإسلام رحمه الله:  لا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعوات مِن أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعيةُ والأذكارُ النبويَّةُ هي أفضل ما يتحرَّاه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمانٍ وسلامةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسانٌ، ولا يحيط بها إنسانٌ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ النَّاسِ، وهي جملةٌ يطول تفصيلها.  

وليس لأحدٍ أنْ يَسُنَّ للنَّاسِ نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به...  وأما اتخاذ وردٍ غيِر شرعيٍّ، واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غايةُ المطالبِ الصحيحةِ ونهايةُ المقاصدِ العليَّة ، ولا يَعدلُ عنها إلى غيرها من الأذكارِ المحدَثة المبتدعةِ إلاّ جاهلٌ أو مفرِّطٌ أو متعَدٍّ.  أ.ه‍ ‍ "مجموع الفتاوى" (22/510-511). والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد