الحمد لله.
قد أحسنتَ في نصحك لأولئك الأشرار وتذكيرهم بالله تعالى على ما يصدر منهم من سوء أقوال وأفعال ، وهذا الذي يجب على المسلم فعله حين رؤية أو سماع مثل تلك المنكرات .
وإذا حصل منهم – بعد ذلك – اعتداء عليكَ فإنه يجوز لك دفعهم ، ويسمَّى هذا – في الشرع – " دفع الصائل " ، على أن هناك ضوابط لهذا الدفع ، أهمها أمران :
الأول : أن تدفعه بالأخف
فالأخف ، فلا تضربه وأنت قادر على دفعه ، ولا تضرب بعصا مع استطاعتك ضربه بيدك .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 106 ) : " ويُدفع الصائل بالأخف فالأخف إن أمكن ،
فإن أمكن دفعه بكلام أو استغاثة بالناس : حرُم الضرب ، أو أمكن دفعه بضرب بيد حرُم
بسوط ، أو بسوط حرُم بعصا ، أو أمكن دفعه بقطع عضو حرُم دفعه بقتل ؛ لأن ذلك جُوِّز
للضرورة ، ولا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأخف .
وعليه : فلو اندفع شره بشيء آخر كأن وقع في ماء أو نار أو انكسرت رجله أو حال
بينهما جدار أو خندق أو غير ذلك : لم يكن له ضربه ، وإن ضربه ضربة عطلتْه : لم يكن
له أن يثني عليه ؛ لأنه كُفيَ شرُّه ، ولأن الزائد على ما يحصل به الدفع لا حاجة
إليه فلم يكن له فعله " انتهى .
الثاني : تجنب الضرب على
الوجه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( إِذَا
ضرب أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ ) .
رواه البخاري ( 2420 ) ومسلم ( 2612 ) – واللفظ له - ، ورواه - أيضاً - بلفظ (
فَلاَ يَلْطِمَنَّ الوَجْهَ ) .
قال ولي الدين العراقي –
رحمه الله - : " قَدْ يُقَال إنَّ قَوْلَهُ [ يعني في رواية الحديث (إذا قاتل أحدكم
أخاه) ] قَاتَلَ : بِمَعْنَى قَتَلَ وَإِنَّ الْمُفَاعَلَةَ هُنَا لَيْسَتْ عَلَى
ظَاهِرِهَا ، بَلْ هِيَ مِثْلُ عَاقَبْت اللِّصَّ ، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ ،
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إذَا ضَرَبَ ،
وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَلْطُمَنَّ الْوَجْهَ .
وَقَدْ يُقَالُ : هِيَ عَلَى بَابِهَا ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ
مُقَاتَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ، وَلَوْ فِي دَفْعِ صَائِلٍ وَنَحْوِهِ :
يَتَّقِي وَجْهَهُ ؛ فَمَا ظَنُّك بِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ
ضَرْبٌ ، فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَّقِيَ الْوَجْهَ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ
الْمُدَافَعَةِ قَدْ تَضْطَرُّهُ الْحَالُ إلَى الضَّرْبِ فِي وَجْهِهِ ، وَمَعَ
ذَلِكَ فَنَهَى عَنْهُ ؛ فَاَلَّذِي لَا يُدَافِعُهُ الْمَضْرُوبُ أَوْلَى بِأَنْ
يُؤْمَرَ بِاجْتِنَابِ الْوَجْهِ." انتهى من " طرح التثريب " ( 8 / 16 ) .
وانظر جوابي السؤالين (
78978 ) و (
83420 ) .
وإذا كنتَ في بلد يحكم
بالشرع في القصاص ، فلك أن تقاضي من ضربك لتقتص منه بمثل ما فعل بك ، والصحيح من
قولي العلماء أن الضرب مما يجوز فيه القصاص .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وأما القصاص في الضرب بيده أو بعصاه
أو سوطه مثل أن يلطمه أو يلكمه أو يضربه بعصا ونحو ذلك : فقد قالت طائفة من العلماء
: إنه لا قصاص فيه بل فيه التعزير ؛ لأنه لا تمكن المساواة فيه .
والمأثور عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين : أن القصاص مشروع في
ذلك ، وهو نص أحمد وغيره من الفقهاء ، وبذلك جاءت سنَّة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وهو الصواب " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 379 ) .
على أنه من المهم هنا أن
يعلم هذا الخصم أنك إنما تركته لله ، وعفوت عنه عن قدرة ، لا عن عجز ؛ وخاصة إذا
كان من سفهاء القوم ، وأراذل الناس ؛ وإذا اضطرك الحال إلى أن تمسك به ، أو تجعله
في موقف يوقن فيه بمقدرتك على الرد ، وعلى عقابه فهو حسن ؛ فالعفو مطلوب ، وهو من
محاسن الأخلاق والفضائل ؛ لكن بحيث لا يغري السفهاء بك ، ويجرئهم على إيذائك .
والله أعلم
تعليق