الحمد لله.
التقديس وإن كان معروفا في اللغة ، وهو بمعنى التطهير ، والقُدْس فيِ كَلاَم العَرَب الطَّهَارَةُ ، والقُدُّوس – من أسماء الله - الطَاهِرُ المُنَزَّه عَنِ العُيوب والنَّقائص . كما في "لسان العرب" (6/168- 169) إلا أن مريم رضي الله عنها لم يطلق عليها لقب " قديسة " لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أطلق هذا اللقب عليها النصارى من باب الغلو في تعظيمها حتى رفعوها إلى منزلة أم الإله – تعالى الله عما يقولون - .
قال الله عز وجل : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) المائدة / 116 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ... وكتب المشرقيون صحيفة ، وثبتوا فيها الأمانة الصحيحة وقالوا فيها : إن مريم العذراء القديسة ولدت إلها ربنا يسوع المسيح الذي هو مع أبيه في الطبيعة ، ومع الناس في الناسوت ، وأقروا بطبيعتين ووجه واحد ، وأقنوم واحد ، ولعنوا نسطورس " .
انتهى من "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (4 /248) .
وينظر أيضا : "هداية الحيارى" لابن القيم (ص 178-179) "البداية والنهاية" لابن كثير(2 /121) .
وإنما وُصفت مريم رضي الله عنها في
كتاب الله وسنة رسوله بالصّدّيقة والعذراء والبتول .
قال تعالى : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ
كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) المائدة/ 75
.
وروى أحمد (1742) ( أن النجاشي أرسل إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم
الذين هاجروا إلى الحبشة أرسل يسألهم عن المسيح عليه السلام ما يقولون فيه .
قالت أم سلمة رضي الله عنها : فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ :
مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ ؟ قَالُوا نَقُولُ وَاللَّهِ
فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ
كَائِنٌ .
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ : مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ
مَرْيَمَ ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ :
( نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ
وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ )
قَالَتْ : فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا
ثُمَّ قَالَ : مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ ) صححه
الألباني في "صحيح السيرة" .
والواجب علينا أن نقول في عيسى عليه
السلام وأمه رضي الله عنها ما قال الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا
نتعداه إلى أقوال أهل الكتاب وأحوالهم ، سواء من غلا فيهم من النصارى ، أو جفا حقهم
من اليهود .
ولذلك قال الله تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا
لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ) النساء/
171 .
وينظر إجابة السؤال رقم (10836) ورقم (7181) .
والله أعلم .
تعليق