الحمد لله.
أولاً :
إذا ترك الإنسان فعل المعصية ، فلا يخلو تركه لها من أحوال :
الحال الأولى : أن يترك المعصية خوفا من الله ، فهذا مأجور على تركه لتلك المعصية ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي : ( ... وَإِنْ تَرَكَهَا – أي : السيئة - مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ... ) رواه البخاري (7501) .
الحال الثانية : أن يترك المعصية مراءاةً للناس وطلباً لمدحهم ، فهذا غير مأجور على تركه ، بل قد يأثم على ذلك ؛ لأن ترك المعصية عبادة ، والعبادة لا تكون إلا لله .
قال ابن رجب رحمه الله : " فأما إن همّ بمعصية ثم ترك عملها خوفا من المخلوقين ، أو مراءاة لهم ، فقد قيل : إنه يعاقب على تركها بهذه النية ؛ لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم ، وكذلك قصد الرياء للمخلوقين محرم ، فإذا اقترن به ترك المعصية لأجله عوقب على هذا الترك " انتهى من " جامع العلوم والحكم " ( 2 / 321 ) .
وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله : " والثاني : كترك من يتركها لغير الله لا لله ، فهذا يعاقب على تركه لغير الله كما يعاقب على فعله لغير الله ، فإن ذلك الترك والامتناع فعل من أفعال القلب ، فإذا عبد به غير الله استحق العقوبة " انتهى من " شفاء العليل " ص 170.
الحال الثالثة : أن يترك المعصية حياء من الناس ، فهذا لا إثم عليه ، لكن قد يثاب على الترك إذا صاحب ذلك مقصد شرعي مما يحبه الله تعالى ، كأن يترك المعصية خشية أن يُقدح في الدعاة وأهل الدين .
قال ابن القيم رحمه الله - مفرقا بين هذه الحال والحال التي قبلها - : " فإن قيل كيف يعاقب على ترك المعصية حياء من الخلق وإبقاء على جاهه بينهم وخوفا منهم أن يتسلطوا عليه ، والله سبحانه لا يذم على ذلك ولا يمنع منه .
قيل : لا ريب أنه لا يعاقب على ذلك ، وإنما يعاقب على تقربه إلى الناس بالترك ومرآتهم به ، وأنه تركها خوفا من الله ومراقبة ، وهو في الباطن بخلاف ذلك ، فالفرق بين تركٍ يتقرب به إليهم ومرآتهم به ، وتركٍ يكون مصدره الحياء منهم وخوف أذاهم له وسقوطه من أعينهم ، فهذا لا يعاقب عليه بل قد يثاب عليه إذا كان له فيه غرض يحبه الله ، من حفظ مقام الدعوة إلى الله ، وقبولهم منه ونحو ذلك " انتهى من " شفاء العليل " ص 170 .
الحال الرابعة : أن يترك المعصية رغبة عنها ، وليس تركه لها خوفاً من الله أو لأجل أحد من خلقه ، فهذا لا يؤجر ولا يأثم .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " وهذا الهام بالسيئة : فإما أن يتركها لخشية الله وخوفه أو يتركها لغير ذلك ، فإن تركها لخشية الله كتبها الله له عنده حسنة كاملة ، كما قد صرح به في الحديث ، وكما قد جاء في الحديث الآخر : ( اكتبوها له حسنة فإنما تركها من أجلي ، أو قال : من جرائي ) .
وأما إن تركها لغير ذلك : لم تكتب عليه سيئة ، كما جاء في الحديث الآخر : ( فإن لم يعملها لم تكتب عليه ) ، وبهذا تتفق معاني الأحاديث " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 10 / 738 ) .
ثانياً :
العبادة لا تقبل من المسلم إلا بشرطين :
الأول : إخلاص النية لله تعالى ، وهو أن يكون مراد العبد بأقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى دون غيره .
الثاني : موافقة الشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به ، وذلك يكون بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، وترك مخالفته ، وعدم إحداث عبادة جديدة أو هيئة جديدة في العبادة لم تثبت عنه عليه الصلاة والسلام .
والدليل على هذين الشرطين قوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف/110 .
فعلى هذا ، إذا صلى الولد الصلاة خوفاً من والده أو طلباً لرضاه ، ولم ينو مع ذلك رضا الله ، فإن صلاته غير مقبولة ؛ لأن الصلاة عبادة والعبادة لا تكون إلا لله .
أما إذا نوى في صلاته - وهو الغالب - رضا الله ثم رضا والديه تبعا ، فالصلاة في هذه الحال مقبولة إن شاء الله .
والله أعلم
تعليق