الحمد لله.
السحر في نظر الشريعة الإسلامية شر كله ، وذلك باعتبارين :
الأول :
باعتبار الطريق الموصل إليه ، التي من خلالها يتمكن الساحر من الاستعانة بعالم الجن والشياطين لتحقيق سحره ، فهي طريق مليئة بالنقص من الدين ، واللجوء إلى المحرمات ، وفي أحيان كثيرة الوقوع في الكفر والردة ، وذلك إرضاء للشيطان ، وتلبية لحاجات ذلك العالم المجهول الذي يريد إغواء بني آدم .
الثاني :
باعتبار قصد الشريعة إلى إغلاق هذا الباب بالكلية ، وسد الذريعة الموصلة غالبا إلى إيقاع الشر بين الناس ، وإحداث الأذى بينهم ، وذلك أن غالب ما يرتكبه السحرة من أعمال ، لا تدخل إلا في عالم الشر والإساءة للخلق ، فمن المعقول والمقبول أن يكون التحريم المطلق هو السبيل لحسم مادة الشر هذه ، وتخليص البلاد والعباد من تلك الأعمال الشريرة ، بل وتخليصهم من الأوهام والخرافات المتعلقة بها ، بتخليص المجتمعات من السحر والسحرة ، وفي ذلك من المصلحة العظيمة ما لا يخفى .
وأما إن وجد مِن بعض السحرة شيء مِن أعمال الخير بسحرهم ، فليس ذلك بمسوغ لما وقعوا فيه من إثم ومعصية ، وذلك لأسباب كثيرة :
أولها :
أن الطريق التي وصل بها إلى تعلم السحر وقع بسببها في الكفر والمعصية في غالب الأحوال .
ثانيها :
أن الحكم يتبع الغالب من أفعال الساحر ، ولا ينظر إلى آحاد سحره ، ألا ترى أن المجرم والقاتل قد يقومان بفعل بعض الخير ، بل هذه الدول المحتلة المستعمرة لبلاد المسلمين ، قد تقدم ـ أحيانا ـ الخير أيضا لبلاد المسلمين وغيرهم ، ولكنه خير مسموم منغمر في جانب الشر الذي ترتكبه وتُشرف عليه . بل نفى بعض العلماء أي نفع في تعلم السحر ، كما يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله : " ومن أصرح الأدلة في ذلك تصريحه تعالى بأنه يضر ولا ينفع ، في قوله : ( ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ) البقرة/102، وإذا أثبت الله أن السحر ضار ، ونفى أنه نافع ، فكيف يجوز تعلم ما هو ضرر محض لا نفع فيه ؟! " انتهى من " أضواء البيان " (4/55) .
ثالثها :
أننا لا نأمن الفتنة على ذلك الساحر ، فهو سبيل غواية وضلالة ، وإذا قدَّم الخير ببعض ما تعلمه ، فإن الغالب أن هذا السبيل لا يدخله الصالحون والمتقون التزاما بحكم الشريعة ، فإذا دخله العاصي والفاسق والمفتون ؛ فإن خُلُقه ودينه لن يردعاه عن فعل الشر ، سواء كان مسلما أم غير مسلم .
وقد أخبرنا الله عز وجل عن فتنة الشيطان لابن آدم ، وأنها لا يكاد يقوى عليها أحد ، فقال سبحانه : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) الجن/6.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أي : كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس ؛ لأنهم كانوا يعوذون بنا ، أي : إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها ، كما كان عادة العرب في جاهليتها : يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان ، أن يصيبهم بشيء يسوؤهم ، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته ، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم ، ( فزادوهم رهقا ) أي : خوفا وإرهابا وذعرا ، حتى تبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم ، كما قال قتادة : ( فزادوهم رهقا ) أي : إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (8/239) .
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" زاد الجنُّ الإنسَ ذُعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم ، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف ، قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص890) .
وهكذا وصف الله عز وجل تأثير الشيطان على الإنسان بأنه دائما يتجه نحو الإضلال والإغواء والشر ، فقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ . وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ) الأعراف/201-202، وقال تعالى : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) يوسف/5 ، وقال جل وعلا : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا . إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ) الأسراء/64-65.
كما وصف الخالق جل وعلا كل اتصال بين الإنسان وعالم الشيطان بأنه فتنة وغواية ، وذلك في قوله سبحانه : ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) الحج/53 .
وجاء التحذير الشديد من اتباع خطوات الشيطان ، وتحذير المسلم من نهايتها السيئة ، فقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21 .
والخلاصة : أن السحر إنما هو كيد من الشيطان ، والشيطان عدو مبين للإنسان ، فكيف سيتأتى منه كيد خير ونفع للإنسان ! ذلك ما لا يكون .
قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ . إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر/5-6.
وللمزيد يمكن مراجعة الفتوى رقم : (115294) .
والله أعلم .
تعليق