الحمد لله.
أولا :
الوقيعة بين المسلمين من كبائر الذنوب التي تفسد النوايا في القلوب ، وتفسد العلائق بين الناس ، وتنشر الفساد في الأرض .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (5 /291) :
" تَحْرُمُ الْوَقِيعَةُ وَإِفْسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، لأِمْرَيْنِ :
الأْوَّل : الإْبْقَاءُ عَلَى وَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ .
الثَّانِي : رِعَايَةُ حُرْمَتِهِمْ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ) آل عمران/103 ؛ وَلِهَذَا كَانَ إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ مِنْ أَفْضَل الْقُرُبَاتِ ، وَإِفْسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَل مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ ) قَالُوا : بَلَى ، قَال : ( إِصْلاَحُ ذَاتِ بَيْنٍ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) رواه الترمذي (2509) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (2595).
وَلِهَذَا نَهَى الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَنِ الْغِيبَةِ ، وَالنَّمِيمَةِ ، وَسُوءِ الظَّنِّ ، وَالتَّبَاغُضِ ، وَالتَّحَاسُدِ ، وَكُل مَا يُؤَدِّي إِلَى الْوَقِيعَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ " انتهى .
ويتأكد هذا التحريم إذا كانت الوقيعة بين الناس لإفساد ما عسى أن يكون من أسباب ائتلافهم ومحبتهم واجتماعهم ، كالزواج .
ثانيا :
تتضمن الوقيعة بين الناس غالبا الكذب والغيبة والنميمة والبهتان ، وكل ذلك من كبائر
الذنوب . راجعي أجوبة الأسئلة أرقام (23328)
، (101776) ، (99554)
لمعرفة مفاسد هذه الصفات الذميمة وكيفية التوبة منها .
ثالثا :
يحرم على المسلمة أن توقع بين الخاطب وخطيبته لتظفر هي به ؛ فإن ذلك من مساوئ
الأخلاق ومن الصفات المذمومة ؛ فقد روى البخاري (6601) ومسلم (1408) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا
يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ ،
وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا ، وَلَا
تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ ،
فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا ) .
قال النووي رحمه الله :
" مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث : نَهْي الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة أَنْ تَسْأَل
الزَّوْج طَلَاق زَوْجَته , وَأَنْ يَنْكِحهَا وَيَصِير لَهَا مِنْ نَفَقَته
وَمَعْرُوفه وَمُعَاشَرَته وَنَحْوهَا مَا كَانَ لَلْمُطَلَّقَة ، فَعَبَّرَ عَنْ
ذَلِكَ بِاكْتِفَاءِ مَا فِي الصَّحِيفَة مَجَازًا " انتهى من " شرح صحيح مسلم "
(9/193) .
وقال الحافظ رحمه الله :
" وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيم خِطْبَة الْمَرْأَة عَلَى خِطْبَة اِمْرَأَة
أُخْرَى إِلْحَاقًا لِحُكْمِ النِّسَاء بِحُكْمِ الرِّجَال , وَصُورَته أَنْ
تَرْغَب اِمْرَأَة فِي رَجُل وَتَدْعُوهُ إِلَى تَزْوِيجهَا فَيُجِيبهَا ، فَتَجِيء
اِمْرَأَة أُخْرَى فَتَدْعُوهُ وَتُرَغِّبهُ فِي نَفْسهَا وَتُزَهِّدهُ فِي الَّتِي
قَبْلهَا " انتهى من " فتح الباري " (9/200) .
رابعا :
ليست القضية في معرفة أطراف المشكلة بحقيقة الحال ، من عدم ذلك ، فأمر الدنيا قد
يخفى ، لكن يوم تبلى السرائر عند رب العالمين ، ويظهر ما تكن النفوس وتخفي الصدور ،
ماذا يكون جواب المفسد والنمام عند الله ؟
والواجب على من فعلت ذلك أن تسارع إلى التوبة ، ومن تمام ذلك أن تحسن فيما أساءت
فيه ، وتقر لكل طرف بما قالته عن الآخر ، ليكونا من أمرهما على بصيرة ؛ إن شاءا
عادا وأتما زواجهما ، وإن شاءا بقيا على ما هما عليه .
وإن شق التصريح بحقيقة الحال ، فمن الممكن أن يكون ذلك تلميحا ، أو يكون عن طريق
طرف آخر ، يسعى للصلح ، وبيان الحق فيما جرى .
وينظر إجابة السؤال رقم (14092)
ورقم (178714) .
والله أعلم .
تعليق