الحمد لله.
أولاً :
ينبغي أن يُعلم أن بيته عليه الصلاة والسلام هو أفضل البيوت وأزكاها ، فهو عليه الصلاة والسلام أحسن الناس معاشرة لأهله ، وأكملهم خلقاً وتعاملاً مع زوجاته عليه الصلاة والسلام .
فقد روى الترمذي (3895) عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .
قال ابن كثير رحمه الله : " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة دائم البِشْرِ ، يداعب أهله ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، قالت : سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني ، فقال : " هذِهِ بتلْك " ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم " انتهى من " تفسير ابن كثير " (2/242) .
ثانياً :
ما يحدث بين الزوجين من مغاضبات ، أو خلاف حول شيء من أمور البيت والمعيشة ، أو نحو ذلك : أمر طبيعي ، وسنة من سنن الحياة الزوجية ، وهو من شأن هذه الحياة الدنيا التي لا تخلو من كدر ، أو تعب ، أو تكدير ؛ وعلى ذلك بُنيت .
وبيت النبوة ربما كان يحدث فيه المرة بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير ؛ وكان بين نسائه من التغاير ما يحدث مثله ، أو شبيهه بين النساء ؛ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما ، فنساؤه رضوان الله عليهن ، وإن كن خير النساء ؛ فلم يكُنَّ معصومات ؛ قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) سورة الأحزاب / 28 - 29 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " لما اجتمع نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغيرة ، وطلبن منه النفقة والكسوة ، طلبن منه أمرًا لا يقدر عليه في كل وقت ، ولم يزلن في طلبهن متفقات ، في مرادهن متعنتات ، شَقَّ ذلك على الرسول ، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهرًا " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/662) .
وروى البخاري (5225) عن أنس رضي الله عنه : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ " .
وروى البخاري (2468) عن ابن عباس رضي الله عنهما - في قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته – يرويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والحديث طويل ، وفيه : ( ... وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي ، فَرَاجَعَتْنِي ، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ، فَقَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ؟! فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُرَاجِعْنَهُ ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ ... ) .
فالقول بأن بيته عليه الصلاة والسلام لم يخل من بعض ذلك الأمر ، إذا لم يكن على وجه التنقص للنبي صلى الله عليه وسلم ، معاذ الله ، ولا لأهل بيته ، رضوان الله عليهم جميعا : لا حرج فيه ، وربما كان فيه منفعة لبعض من ابتلي في بيته : أن يتسلى بذلك الأمر من شأن الدنيا ؛ ويأتسي به عليه الصلاة السلام في طريقة تعامله مع تلك المشكلة .
والله أعلم .
تعليق