الحمد لله.
الشخصيات التاريخية في القرآن والسنة
الشخصيات التاريخية التي ذكرت في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة نقطع بوجودها وصحة ما نسبه إليها القرآن أو السنة من مواقف وأفعال وأقوال.
ولا سبيل إلى إثبات وجود تلك الشخصيات وما نسب إليها من مواقف إلا من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية؛ لأن الأمم السابقة ليس لها إسناد متصل إلى أنبيائها ولا إلى تلك الشخصيات، والإسناد المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو من خصائص هذه الأمة وحدها.
وعلى هذا، فنقف في أمر تلك الشخصيات على ما ذكره القرآن والسنة، ولا نتجاوز ذلك؛ لأنه لا دليل صحيح يدل على شيء ينسب إلى تلك الشخصيات إلا ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقط.
هل السامري هو المسيح الدجال؟
وليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية أية إشارة إلى أن السامري هو المسيح الدجال، ولذلك لم نجد أحدا من العلماء - فيما رجعنا إليه من الكتب – ذكر شيئا من ذلك، وقد ثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم شك في أحد كهنة اليهود في المدينة (ابن صائد) شك في أمره، هل هو المسيح الدجال أم لا؟ وذلك في بداية الأمر، حتى تبين للرسول صلى الله عليه وسلم أنه ليس المسيح الدجال، وإنما هو دجال وكذاب من الدجاجلة.
استدلالات غير صحيحة على رؤية الملائكة
استدلال السائل على أن السامري هو الدجال بقوله: "قدرته على رؤية الملائكة وهو ليس نبي" استدلال غير صحيح؛ لأن رؤية الملائكة ممكنة لغير الأنبياء.
روى أحمد في مسنده (948) من حديث علي رضي الله عنه في قصة غزوة بدر وفيه: "... فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ قَصِيرٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسِيرًا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ مَا أُرَاهُ فِي الْقَوْمِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (اسْكُتْ، فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَلَكٍ كَرِيمٍ.
وروى أحمد (2547) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ، فَكَانَ كَالْمُعْرِضِ عَنْ أَبِي، فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَقَالَ لِي أَبِي: أَيْ بُنَيَّ، أَلَمْ تَرَ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ كَالْمُعْرِضِ عَنِّي؟! فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ يُنَاجِيهِ.
قَالَ: فَرَجَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبِي: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ: كَذَا وَكَذَا، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَكَ رَجُلٌ يُنَاجِيكَ، فَهَلْ كَانَ عِنْدَكَ أَحَدٌ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَلْ رَأَيْتَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ فقال: نَعَمْ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّ ذَاكَ جِبْرِيلُ وَهُوَ الَّذِي شَغَلَنِي عَنْكَ. والحديث: صححه محققو المسند على شرط مسلم.
وقد رأى جمع من الصحابة جبريل عليه السلام لما جاء يعلمهم أمر دينهم كما في الحديث المشهور، إلا أنه لا يمكن لغير الأنبياء أن يرى الملائكة على صورتها الحقيقية؛ كما تقدم بيانه في إجابة السؤال رقم: (70364).
حوار موسى عليه السلام مع السامري
الاستدلال بأن السامري هو الدجال بأن موسى عليه السلام ألان له الكلام خشية أن يغضب؛ لأن الدجال يخرج من غضبة يغضبها، كما رواه مسلم (2932)، هو استدلال غير صحيح أيضاً؛ لأنه يقال فيه: ما المانع أن يكون جدال موسى عليه السلام مع السامري بهذا الهدوء لتظهر حجة الله البالغة، وتعلو كلمة الله، دون أن يكون هناك صخب أو شغب أو سب أو ضرب؟ فكلمه بهدوء ولطف، وحرق إلهه ونسفه في اليم نسفا، وقد تمت بذلك الحجة، وظهر الحق، وزهق الباطل.
عقوبة السامري في الدنيا ومصيره في الآخرة
ومع ذلك: لم يترك السامري بلا عقوبة في الدنيا، بل عوقب بأنه منع من أن يقترب منه الناس، وأن يمسه أحد من الناس، فصار الناس يبتعدون عنه، كما يبتعدون عن الجمل الأجرب.
قال الله تعالى: قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا طه/ 97.
قال ابن سعدي رحمه الله:
" فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس أي: تعاقب في الحياة عقوبة، لا يدنو منك أحد، ولا يمسك أحد، حتى إن من أراد القرب منك، قلت له: لا تمسني، ولا تقرب مني، عقوبة على ذلك، حيث مس ما لم يمسه غيره، وأجرى ما لم يجره أحد، وإن لك موعدا لن تخلفه فتجازى بعملك، من خير وشر، وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا أي: العجل لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا ففعل موسى ذلك، فلو كان إلها، لامتنع ممن يريده بأذى ويسعى له بالإتلاف، وكان قد أشرب العجل في قلوب بني إسرائيل، فأراد موسى عليه السلام إتلافه وهم ينظرون، على وجه لا تمكن إعادته، بالإحراق والسحق وذريه في اليم ونسفه، ليزول ما في قلوبهم من حبه، كما زال شخصه؛ ولأن في إبقائه محنة؛ لأن في النفوس أقوى داع إلى الباطل، فلما تبين لهم بطلانه، أخبرهم بمن يستحق العبادة وحده لا شريك له، فقال: إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما " انتهى. " تفسير السعدي" (ص 512).
للحصول على معلومات إضافية، يرجى قراءة الإجابات التالية: (216657، 10242).
والله أعلم.
تعليق