الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

الرجم والقطع من حدود الله التي شرعها لعباده قياما لحكمه ورحمة بعباده .

السؤال

هل قطع رسول الله صلی الله علیه وسلم يد أحد في عهده ، حدا للسرقة ؟ وهل رجم أحدا في عهده صلی الله علیه وسلم لارتكاب الزنا ؟ سمعت من بعض الدعاة أن في کل تاريخ الحكومة الإسلامية - یعني الخلافة الراشدة وخلافة الأمويين والعباسيين - قُطع ید تسعة فقط ! هل هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :
شرع الله الحدود حفظا لحدوده التي نهى عن تعديها ، ورعاية لحقوق عباده التي أمر بصيانتها ، وكفارة لأصحابها وطهرة لهم ، ونصبها دينا ليعلم من يؤمن به وبشرعه ، ويسمع ويطيع ، ممن لا يرفع بذلك رأسا ، ولا يرى بتعدي حدود الله بأسا ، وجعلها ردعا لمن تسول له نفسه العدوان على محارم الله .
ثانيا :
رجم النبي صلى الله عليه وسلم وقطع .
أما الرجم : فروى البخاري (6830) ، ومسلم (1691) عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قال: " قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا ، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ " .
وروى مسلم (1692) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: " رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ قَصِيرٌ ، أَعْضَلُ ، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ زَنَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَلَعَلَّكَ؟) قَالَ: لَا، وَاللهِ إِنَّهُ قَدْ زَنَى ، قَالَ : فَرَجَمَهُ ..) .
قال ابن القيم رحمه الله :
" اَلَّذِينَ رَجَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزِّنَا مَضْبُوطُونَ مَعْدُودُونَ، وَقِصَصُهُمْ مَحْفُوظَةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَهُمْ : الْغَامِدِيَّةُ، وَمَاعِزٌ، وَصَاحِبَةُ الْعَسِيفِ، وَالْيَهُودِيَّانِ " .
انتهى من "الطرق الحكمية" (ص 53) .

أما القطع : فقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد السارق والسارقة :
روى البخاري (6788) ، ومسلم (1688) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟! ) ، فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ : اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ ، قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَطَبَ ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ: ( أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) ، ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا " .
وعَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ : " أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ بُرْدَةً ، فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: ( فَلَوْلَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ يَا أَبَا وَهْبٍ ) ، فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
رواه أبو داود (4394) والنسائي (4879) - واللفظ له - وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
ثالثا :
قول القائل : " لم يُقطع في تاريخ الخلافة الإسلامية حتى نهاية خلافة العباسيين في السرقة إلا تسعة فقط " ادعاء غير صحيح بالمرة ؛ فإن هذه الإحصائية لا يمكن حصرها لاتساع الممالك الإسلامية وكثرة البلاد والأمصار ، فيتعذر الإحصاء في كل هذه البلدان ، وعبر هذه الأزمنة المتطاولة ، ولم نعلم في التاريخ أن الخلفاء وولاتهم كانوا يحصون عدد المقطوعين في حد السرقة في كل بلد صغير أو كبير ، هذا أمر لا يمكن حصوله ، فضلا عن أن يقال : قد أحصوهم جميعا ، وهم تسعة !
والمقطوع به أن المقطوعين في حد السرقة خلال هذه المدة أكثر من ذلك بكثير جدا.
فهذا قول لا يلتفت إليه ولا يعول عليه .

ثم ما المعنى الذي يريده هذا القائل من وراء ذلك ، وقد ثبت في كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، ولم يخالف في وجوبه أحد من أهل العلم والدين ؟!

وينظر للاستزادة : جواب السؤال رقم : (9935) ، (14312) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب