الحمد لله.
ينبغي أن يعلم أن لفظ التصوُّف من الألفاظ الحادثة في الإسلام ، إذ لم يكن معروفًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عهد أصحابه ، بل ولم يشتهر ذكره في القرون المفضلة الثلاثة الأولى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أَمَّا لَفْظُ (الصُّوفِيَّةِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ؛ وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ التَّكَلُّمُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقَدْ نُقِلَ التَّكَلُّمُ بِهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالشُّيُوخِ ؛ كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَغَيْرِهِمَا ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/ 5).
وعلى هذا؛ فنسبة الحسن البصري إلى التصوُّف بالمعنى الاصطلاحي الذي عُرِفَ عند المتأخرين ؛ هي نسبة غير صحيحة ؛ فإنَّ التصوف بالمعنى المفهوم لم يكن قد نشأ في وقت الحسن البصري .
ثانيًا:
تصوُّف الزُّهد الذي يُروى في كتب الصُّوفيَّة ، أو كتب الرقائق ، عن الحسن البصري
أو غيره من السلف والأئمة ، ممن لهم لسان صدق في الأمة ، المقصود به:
العناية بباب الأخلاق والزهد والرقائق ، وما أشبه ذلك ، بحيث يكثر الإشارة إلى ذلك
، بل والعبارة عنه ، في أقوالهم ، ومأثورات أخبارهم وأحوالهم . وقد نُقِلَ في ذلك
عن الحسن البصري الشيء الكثير الطيب النافع ، وهذا سرُّ وجود بعض أقواله في كتب
الصُّوفيَّة.
والتصوُّف بهذا المعنى هو من دين الإسلام ، وهو أمر حسن مطلوب ، كما هو ظاهر.
ثالثًا:
التصوُّف الفلسفي هو المآل الذي انتهى إليه تطور خطوات الإحداث والابتداع في
المفاهيم والتصورات التي دخلت إلى طريق التصوف ، وواكبت التطور والإحداث المسلكي ؛
فحاصل انحراف طريق التصوف ، عن الطريق السلفي الأول : إحداث مسالك تعبدية مبتدعة ،
خارجة عن السنن الأول ، وما كان عليه السلف الصالح .
والثاني : إدخال مسائل علمية ، وتصورات ومفاهيم ، هي مسالك علمية مبتدعة ، نشأت من
جراء اتصال الحركة العلمية بالفلسفات اليونانية والوثنية بصفة عامة ، ومذاهب
الباطنية والغنوصية .
فقد بدأ التصوُّف كـ"حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري
، كنزعاتٍ فردية ، تدعو إلى الزُّهد وشدة العبادة كردِّ فعل مضاد للانغماس في الترف
الحضاري ، ثم تطوَّرت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية
، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى
بالكشف والمشاهدة ، لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية!! ولذا جنحوا في المسار حتى
تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة " .
انتهى من " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة "(1/ 249).
وهذا التصوُّف الفلسفي
يتفاوت في بعده عن السنة بقدر ما يحصل فيه من العقائد والسلوكيات المخالفات للكتاب
والسنة ، ومنهج الصحابة والسلف في الزهد والتقلل من الدنيا ، حتى يصل الأمر ببعض
فرق الصوفية إلى ارتكاب نواقض مخالفة لأصل الديانة وصحيح الاعتقاد .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية ، وأبو
القاسم القشيري في الرسالة : كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة ، ومذهب أهل الحديث
، كالفضيل بن عياض والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وعمرو بن عثمان المكي
وأبي عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي وغيرهم ، وكلامهم موجود في السنة ، وصنفوا
فيها الكتب .
لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد ، ولم
يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة .
وإنما ظهر التفلسف في المتصوفة المتأخرين ، فصارت المتصوفة : تارة على طريقة صوفية
أهل الحديث ، وهم خيارهم وأعلامهم . وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام ، فهؤلاء
دونهم . وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة ، كهؤلاء الملاحدة " انتهى من "الصفدية"
(1/267) .
وللاستزادة يمكن مراجعة السؤال رقم : ( 4983) و ( 166464) .
والله أعلم .
تعليق