الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

أحاديث النهي عن الأكل في السوق لا يصح منها شيء .

204302

تاريخ النشر : 09-08-2014

المشاهدات : 71601

السؤال


قرأت حديثاً يقول : إنه لا ينبغي لنا أن نأكل في الأسواق ، فما صحة ذلك ؟ وهل يمكننا الأكل في الفنادق والمطاعم ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لا يصح في النهي عن الأكل في السوق حديث ، والحديث المشهور : ( الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ ) حديث ضعيف لا يثبت . رواه الطبراني في "الكبير" (7977) وابن عساكر في "تاريخه" (45/345) من حديث أبي أمامة ، بإسناد ضعيف جدا ، ورواه ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص392) وابن عدي في "الكامل" (2/276) ، والخطيب في "التاريخ" (8/229) من حديث أبي هريرة ، وإسناده ضعيف جدا أيضا.
قال ابن القيم رحمه الله :
" أَحَادِيثُ النَّهْيُ عَنْ الأَكْلِ فِي السوق كلها باطلة ، قَالَ الْعُقَيْلِيُّ : "لا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "المنار المنيف" (ص 130).
وقال الذهبي رحمه الله :
" رُوِيَ فِي ذَلِكَ آثار، ولا يثبت منها شيء " انتهى من " سير أعلام النبلاء" (12/ 472).
وكذا ضعفه العراقي في "تخريج الإحياء" (ص452) ، والبوصيري في " إتحاف الخيرة " (4/321) ، والألباني في " الضعيفة " (2465) .

ثانيا :
الأكل في السوق ليس له حكم واحد ، بل هو يختلف باختلاف الأسواق وأحوالها ، وعوائد البلاد وأعرافها ، ويختلف أيضا من شخص إلى شخص آخر ، فما يقبله الناس ، في معتاد أحوالهم ، من شخص ، قد لا يقبلونه من غيره ، ويعدونه خارما لمروءته .
قال الغزالي رحمه الله :
" الأكل في السوق تواضع وترك تكلف من بعض الناس فهو حسن ، وخرق مروءة من بعضهم فهو مكروه ، وهو مختلف بِعَادَاتِ الْبِلَادِ وَأَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ ، فَمَنْ لَا يَلِيقُ ذلك بسائر أعماله : حمل ذلك على قلة المروءة وفرط الشِّرِه ، ويقدح ذلك في الشهادة ، ومن يليق ذلك بجميع أحواله وأعماله في ترك التكلف : كان ذلك منه تواضعاً " انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/ 19).

وبناء على ذلك :
فلا حرج على من أكل في الفنادق أو المطاعم ، من حيث الأصل ، إذا كان ذلك معتادا في بلده ، أو مقبولا من مثله .
ومن لا يعتاد منه ذلك ، أو يأنفه أهل المروءات في بلده : فلا ينبغي له أن يدخل مثل هذه الأماكن ، إلا لحاجة ، كأن يكون على سفر ، أو شغل زائد ، أو نحو ذلك .

والذي يظهر أن الأمر في ذلك صار أسهل في عامة البلدان ، ولم يعد فيه ما يخالف فعل أهل المروءات .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أدركنا أنّ الأكل في السوق من أقبح ما يكون ، الآن الأكل في السوق عادة ، المطاعم موجودة منتشرة في الأسواق ؛ لكن ظهر عادة سيئة عند المترفين من بني جنسنا ، بدأت بعض العوائل الآن مع الأسف لا تطبخ في بيتها ، إذا جاء وقت الغداء خرج الرجل بعائلته إلى المطعم ، وجلس في المطعم يأكل هو وعائلته ، وكذلك حوله الناس ! تقليدا لمن ؟!
تقليدا للغربيين ، وهذه عادة سيئة ؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يتحدث كما ينبغي ، وكما يريد بحضرة الناس ، ثم إنّ غالب هؤلاء تجد النساء منهم متبرجة كاشفة وجهها ، وربما تضحك إلى أختها ولا تبالي والعياذ بالله .
فيه ناس وسط صاروا لا يطبخون في بيوتهم ولكن يأتون بالطبخ من الخارج ويأكلونه في البيت ، وهذه أيضا عادة سيئة ؛ أيما أولى أن تطبخ طبخا أنت الذي تتولاه وتطبخه على مزاجك ، وعلى مذاقك ، وآمِنٌ من أن يكون قد عفّن وأعيد طبخه مرة ثانية ، وآمن من أن يكون فيه أشياء محذورة ، أو أن تأخذ من المطاعم ؟!
لا شك أن الأول أولى بلا شك ، لكن مع الأسف : الإنسان إذا اختار شيئا أو هوى شيئا أعماه الهوى عن الأفضل ، وعن الحق " انتهى .
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=104412&page=3

ثالثا :
من احتاج إلى دخول المطاعم أو الفنادق ، فالواجب عليه أن يحذر من المخالفات الشرعية ، والفتن والمنكرات التي تشيع في مثل هذه الأماكن .
وبعض أهل العلم إنما منع من ذلك ، لا لكونه ممنوعا في أصله ، بل لما يجر إليه من فساد وفتن ، تكثر في مثل هذه الأماكن .
قال القرطبي رحمه الله :
" قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : أَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فَضَرُورَةُ الْخَلْقِ ، لَا عَارَ وَلَا دَرْكَ فِيه ِ، وَأَمَّا الْأَسْوَاقُ فَسَمِعْتُ مَشْيَخَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ : لَا يَدْخُلُ إِلَّا سُوقَ الْكُتُبِ وَالسِّلَاحِ ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُلُ كُلَّ سُوقٍ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَلَا يَأْكُلُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِسْقَاطٌ لِلْمُرُوءَةِ وَهَدْمٌ لِلْحِشْمَةِ .
قُلْتُ : مَا ذَكَرَتْهُ مَشْيَخَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَنِعِمَّا هُوَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ [يعني : سوق الكتب والسلاح] خَالٍ عَنِ النَّظَرِ إِلَى النِّسْوَانِ وَمُخَالَطَتِهِنَّ ، إِذْ ليس بذلك مِنْ حَاجَتِهِنَّ .
وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنَ الْأَسْوَاقِ فَمَشْحُونَةٌ مِنْهُنَّ ، وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِنّ َ، حَتَّى تَرَى الْمَرْأَةَ فِي الْقَيْسَارِيَّاتِ وَغَيْرِهِنَّ قَاعِدَةً مُتَبَرِّجَةً بِزِينَتِهَا ، وَهَذَا مِنَ الْمُنْكَرِ الْفَاشِي فِي زَمَانِنَا هَذَا . نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِهِ " انتهى من "تفسير القرطبي" (13/ 17).

راجع للفائدة إجابة السؤال السؤال رقم : (32736) ، ورقم : (13025) ، ورقم : (130671) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب