الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

تسأل عن حديث (لا طلاق في إغلاق) .

214699

تاريخ النشر : 10-12-2014

المشاهدات : 79423

السؤال


أريد تفسيرا واضحا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا طلاق في إغلاق ) .

الجواب

الحمد لله.


أخرج ابن ماجه (2046) ، وأحمد في مسنده (26360) ، وأبو يعلى في مسنده (4444) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) وحسنه الألباني في " صحيح وضعيف سنن ابن ماجة "(2046) .
وقد اختلف العلماء في تفسير معنى الإغلاق : فبعضهم فسره بالإكراه ، قال الخطابي " معنى الإغلاق: الإكراه ، وكان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم لا يرون طلاق المكرَه طلاقاً ، وهو قول شريح وعطاء وطاوس وجابر بن زيد والحسن وعمر بن عبد العزيز والقاسم وسالم ، وإليه ذهب مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه" انتهى من " معالم السنن "(3 / 242) .
وفي " التيسير بشرح الجامع الصغير " (2 / 501) :"( لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ ) أي : إكراه ؛ لأن المكره يغلق عليه الباب ، ويُضيق عليه غالبا ، فلا يقع طلاقه عند الأئمة الثلاثة . وأوقعه الحنفية" انتهى.

وفسره بعض العلماء بأنه : " نهي عن إيقاع الطلقات الثلاث دفعة واحدة ، فيغلق عليه الطلاق حتى لا يبقى منه شيء ، كغلق الرهن ، حكاه أبو عبيد الهروي " انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (5 / 195) .
وبعض العلماء فسره بالجنون ، وبعضهم فسره بالغضب الشديد ، جاء في "نيل الأوطار " (6 / 279): "قوله: (في إغلاق) .. فسره علماء الغريب بالإكراه ، روي ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم ، وقيل : الجنون ، واستبعده المطرزي ، وقيل: الغضب ، وقع ذلك في سنن أبي داود ، وفي رواية ابن الأعرابي ، وكذا فسره أحمد ، ورده ابن السيد فقال : لو كان كذلك ، لم يقع على أحد طلاق لأن أحدا لا يطلق حتى يغضب " انتهى .
وفي " إعلام الموقعين عن رب العالمين " (3 / 47) :" وقال الإمام أحمد في رواية حنبل: هو الغضب، وكذلك فسره أبو داود ، وهو قول القاضي إسماعيل بن إسحاق أحد أئمة المالكية ومقدم فقهاء أهل العراق منهم ، وهي عنده من لغو اليمين أيضا ، فأدخل يمين الغضبان في لغو اليمين ، وفي يمين الإغلاق ، وحكاه ابن بزيزة الأندلسي عنه ، قال : وهذا قول علي وابن عباس وغيرهما من الصحابة : أن الأيمان المنعقدة كلها في حال الغضب لا تلزم ، وفي سنن الدارقطني بإسناد فيه لين من حديث ابن عباس يرفعه: لا يمين في غضب ، ولا عتاق فيما لا يملك وهو وإن لم يثبت رفعه ، فهو قول ابن عباس، وقد فسر الشافعي: لا طلاق في إغلاق بالغضب ، وفسره به مسروق ؛ فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل، كلهم فسروا الإغلاق بالغضب ، وهو من أحسن التفسير ؛ لأن الغضبان قد أغلق عليه باب القصد بشدة غضبه ، وهو كالمكره ، بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكرَه ؛ لأن المكرَه قد قصد رفع الشر الكثير بالشر القليل الذي هو دونه ، فهو قاصد حقيقة ، ومن هنا أوقع عليه الطلاق من أوقعه ، وأما الغضبان فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه ، كانغلاقه عن السكران والمجنون، فإن الغضب غول العقل ، يغتاله كما يغتاله الخمر ، بل أشد ، وهو شعبة من الجنون ، ولا يشك فقيه النفس في أن هذا لا يقع طلاقه" انتهى .
والراجح في تفسير الحديث : أن الإغلاق يشمل الإكراه والجنون والعَتَه والغضب الشديد ، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " قال شيخنا [يعني : شيخ الإسلام ابن تيمية] : وحقيقة الإغلاق أن يُغلَق على الرجل قلبه ، فلا يقصد الكلام ، أو لا يعلم به ، كأنه انغلق عليه قصده وإرادته ، قلت: قال أبو العباس المبرد: الغلق : ضيق الصدر ، وقلة الصبر بحيث لا يجد مخلصا، قال شيخنا: ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون ، ومن زال عقله بسكر أو غضب ، وكل من لا قصد له ، ولا معرفة له بما قال .
والغضب على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما يزيل العقل ، فلا يشعر صاحبه بما قال ، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع.
والثاني : ما يكون في مباديه ، بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده ، فهذا يقع طلاقه . الثالث: أن يستحكم ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية ، ولكن يحول بينه وبين نيته ، بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال ، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه" انتهى من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (5 / 195).
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب