الحمد لله.
الذي ننصح به أنفسنا وإخواننا المسلمين التزام السنة والتقيد بها وعدم الخروج عليها ، وليس شيء هو أحب وأرضى لله تعالى من اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والاقتداء به ، فخير الهدي هديه ، وأهدى السبيل سبيل سنته .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة ؛ فروى مسلم (2702) عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : ( إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي ، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) .
وفي رواية : ( استغفروا ربكم ، إني أستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة ) .
وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (946) .
وروى أبو داود (1516) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وفي صحيح مسلم (483) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ ) " .
وفي صحيح البخاري (6035) ، ومسلم (2719) عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عَنْه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
فانظر كيف كان استغفاره صلى الله عليه وسلم : جامعا ، كجوامع كلمه ، بعيدا عن التكلف ، وتقصد السجع ، بل هو كل يأخذ بعضه ببعض ، وينتظم كحبات العقد !!
ولا شك أن مراعاة ذلك : أعظم بركة لصاحبه ، وأجمع لأبواب الخير له ، وأبعد من التكلف ، والاختراع ، وأدعى للقبول من رب العالمين ، متى قام صاحبه بحق ذلك المقام ، واستغفر لربه حقيقة ، ولم يكن مجرد كلام جرى به اللسان .
وقد تقدم في إجابة السؤال
رقم : (153274) التحذير من الأذكار
والأدعية المخترعة ، ونقلنا أقوال العلماء في ذلك ، ومن ذلك قول القرطبي رحمه الله
:
" فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه ،
ولا يقول أختار كذا ؛ فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون "
انتهى من " الجامع لأحكام القرآن" (4 /231) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (98780) .
وهذا الاستغفار المخترع المذكور في السؤال ، مع أنه غير مأثور عن أحد من السلف ، فضلا عن أن يكون منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم : ففيه بعض التجاوزات ، كقوله : " نستغفر الله استغفاراً يزيد في كل طرفة عين وتحريك نفس مائة ألف ضعف " فهذه مبالغة سمجة أدى إليها الاختراع ومحبة السجع والتكلف .
وأيضا : فلو قال القائل : "
أستغفر الله مائة مرة " لم يكن قد استغفر إلا مرة واحدة ، قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله :
" إذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ: سَبِّحْ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ سَبِّحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ
اللَّهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْعَدَدَ. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُجْمِلَ ذَلِكَ
فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ ، لَمْ يَكُنْ قَدْ
سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (33/ 11-12) .
ومن التجاوزات قوله : " يدوم
مع دوام الله ، ويبقى مع بقاء الله ... " فإن هذا من الاعتداء في الدعاء ، فإن
الاستغفار من الذنوب لا يدوم مع دوام الله ، ولا يبقى مع بقاء الله ، بل الاستغفار
عمل من عمل صاحبه ، متى ما انقطع عنه ، انقطع حكم التوبة والاستغفار عنه ، ومتى مات
، انقطع ، كما ينقطع سائر عمله ، إلا ما ورد النص بتخصيصه .
وأكثر ما يوقع الناس في ذلك محبة السجع ، وتكلفه في الذكر والدعاء .
وقد روى البخاري (6337) عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَ له : "
انْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا
ذَلِكَ " - يَعْنِي لاَ يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ " .
قال القرطبي رحمه الله - وهو يتكلم عن أنواع الاعتداء في الدعاء- :
" وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ بِمَا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ،
فَيَتَخَيَّرُ أَلْفَاظًا مُفَقَّرَةً ، وَكَلِمَاتٍ مُسَجَّعَةً ، قَدْ وَجَدَهَا
فِي كَرَارِيسَ لَا أَصْلَ لَهَا ، وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهَا، فَيَجْعَلُهَا
شِعَارَهُ ، وَيَتْرُكُ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ وَكُلُّ
هَذَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ " .
انتهى من " تفسير القرطبي " (7/ 226) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (41017) .
والله أعلم .
تعليق