الحمد لله.
أولا :
الحب في الله من أوثق عرى الإيمان ، ومن أعظم القواعد التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي ، به يحصل الوداد والوئام بين الناس ، فيتحابون ويتزاورون ويتناصحون ويتناسبون ويأتمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر ، وبه يحققون معنى الأخوة الإسلامية ، وبه يجدون حلاوة الإيمان في معاملاتهم ومصاحباتهم ومعاشراتهم .
وقد روى أحمد (18524) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ( إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ ) .
وحسنه محققو المسند ، وكذا حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (3030) .
راجع جواب السؤال رقم : (173) ، (114926) .
فالحب في الله من أعظم القرب وأفضل الأعمال .
وروى البخاري (13) ، ومسلم (45) ، والنسائي (5017) - واللفظ له - عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَالَ الْكِرْمَانِيّ : وَمِنْ الْإِيمَان أَيْضًا أَنْ يُبْغَض لِأَخِيهِ مَا يُبْغَض لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّرّ " انتهى من " فتح الباري" (1/58) .
فإذا كان الإيمان الواجب لا يتم إلا بمحبة الخير للمسلم ، وبغض الشر له : فنفس محبة المسلم ، وموالاته : أولى من ذلك ، وأعلى مقاما .
ثانيا :
روى ابن أبي الدنيا في "قضاء الحوائج" (103) وفي " اصطناع المعروف " (163) من طريق الْحَكَم بْن سِنَانٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ : " بَعَثَ الْحَسَنُ مُحَمَّدَ بْنَ نُوحٍ ، وَحُمَيْدًا الطَّوِيلَ فِي حَاجَةٍ لِأَخِيهِ ، فَقَالَ: مُروا ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ فَأَشْخِصُوا بِهِ مَعَكُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ ثَابِتٌ : إِنِّي مُعْتَكِفٌ ، فَرَجَعَ حُمَيْدٌ إِلَى الْحَسَنِ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قَالَ ثَابِتٌ، فَقَالَ لَهُ: " ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: يَا عُمَيْشُ! أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ مَشْيَكَ فِي حَاجَةِ أَخِيكَ : خَيْرٌ لَكَ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ ؟ "
وهذا إسناد ضعيف ، الحكم بن سنان ضعيف الحديث ، ضعفه ابن معين ، والنسائي ، وابن سعد ، وأبو داود ، وغيرهم ، وقال ابن حبان : ممن تفرد عن الثقات بالأحاديث الموضوعات، لا يشتغل به " انتهى من " تهذيب التهذيب" (2 /367) .
وعلى فرض صحته : فهو محمول على مزيد التأكيد والحث على قضاء حوائج المسلمين .
وأصح من ذلك : حديث ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فِي مَسْجِدِي هَذَا ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَقْضِيَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ ) .
رواه الطبراني (13646) وابن بشران في "الأمالي" ، وغيرهما ، وحسنه الألباني في " الصحيحة " (906) .
وقد روى ابن المبارك في " الزهد" (746) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حَاجَةٍ ، فَوَجَدَهُ مُعْتَكِفًا ، فَقَالَ: لَوْلَا اعْتِكَافِي لَخَرَجْتُ مَعَكَ ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَكَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِه ِ، فَأَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ ، فَذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ ، فَخَرَجَ مَعَهُ لِحَاجَتِهِ ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ كَرِهْتُ أَنْ أُعِينَكَ فِي حَاجَتِي ، وَلَقَدْ بَدَأْتُ بِحُسَيْنٍ فَقَالَ: لَوْلَا اعْتِكَافِي لَخَرَجْتُ مَعَكَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: " لَقَضَاءُ حَاجَةِ أَخٍ لِي فِي اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ اعْتِكَافِ شَهْرٍ " .
قال الشيخ -ابن عثيمين رحمه الله :
" قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف ، لأن نفعها متعد ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر ، إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجبات الإسلام " انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (20/ 180) .
ثالثا :
من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا له : ( رَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ) كما في الحديث الصحيح المتفق عليه .
وروى أحمد (22002) عن عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَحَقَتْ مَحَبَّتِي للمتزاورينَ في ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَصَافِينَ فِيَّ الْمُتَوَاصِلِينَ ) .
وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4321) .
ويمكن أن يصل العبد إلى هذه المنازل العالية والمراتب السامية بصدق المحبة ، وإخلاصها لله ، والتعاون فيها على البر والتقوى ، والتناصح بالخير ، والاجتماع على الطاعات ، ونبذ المنكرات من الأقوال والأعمال ، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه ، ويفرح لفرحه ، ويحزن لحزنه ، ويعينه على طاعة الله وما أهمه من أمر الدنيا والآخرة ، ويحفظه في غيبته ، ولا يتأخر عن مساعدته أو مساعدة أحد من أهل بيته ، وأن يذكره بالثناء الحسن ، ويستر عورته ، ولا يغتابه ، ولا يبهته ، ويعامله معاملة أخيه من النسب ، بل أفضل من ذلك .
وبالجملة : يعامله بكل معروف يحب أن يعامَل هو به ، من قول أو فعل في غيبته وشهادته .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (199047) .
والله تعالى أعلم .
تعليق