الحمد لله.
وردت أحاديث في ذم ولد الزنا ، ولكن أكثر هذه الأحاديث ضعيف لا يصح ، وقد روى أبو داود في سننه ( 4 / 39 ) وأحمد في المسند ( 2 / 311 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ولد الزنى شر الثلاثة " يعني أكثر شرا من والديه وممن حسنه ابن القيم في المنار المنيف ( 133 ) والألباني في السلسلة الصحيحة ( 672 )
وقد وجه العلماء الحديث بعدة توجيهات أشهرها :
ما قاله سفيان الثوري : بأنه شرّ الثلاثة إذا عمل بعمل والديه .
وقد روي ذلك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : :" هو أشر الثلاثة إذا عمل بعمل والديه . يعني ولد الزنا " وإن كان إسناده ضعيفا فقد حمله على هذا المعنى بعض السلف كما تقدم .
ويؤيد هذا التفسير ما رواه الحاكم ( 4 / 100 ) ـ بسند قال عنه الألباني : " يمكن تحسينه" ـ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء .( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) " .( السلسلة الصحيحة 2186 ) .
وبعض العلماء قال إن هذا الحديث محمول على أن غالب أولاد الزنا يكون فيهم شر لأنهم يتخلقون من نطف خبيثة والنطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب . فإن خرج من هذه النطفة نفس طيبة دخلت الجنة ، وكان الحديث من العام المخصوص .( انظر المنار المنيف 133) .
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَوَلَدُ الزِّنَا إنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا دَخَلَ الْجَنَّةَ , وَإِلا جُوزِيَ بِعَمَلِهِ كَمَا يُجَازَى غَيْرُهُ , وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ لا عَلَى النَّسَبِ . وَإِنَّمَا يُذَمُّ وَلَدُ الزِّنَا , لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا . كَمَا تُحْمَدُ الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الْخَيْرِ , فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ الْعَمَلُ فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ , وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ . الفتاوى الكبرى ( 5/83 ) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة : " ابن الزنا إذا مات على الإسلام يدخل الجنة ، ولا تأثير لكونه ابن زنا على ذلك لأنه ليس من عمله ، وإنما من عمل غيره . وقد قال تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ولعموم قوله تعالى : ( كل امرئ بما كسب رهين ) وما جاء في معنى ذلك من الآيات ، وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل الجنَّة ولد زنية " فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكره الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم . وبالله التوفيق .ا.هـ
وأما ما يتعلق بحكم الزواج من ابن الزنا فلم ينص أحد من الفقهاء المعتبرين على تحريمه ، وإنما وقع الاختلاف عند الحنابلة في مدى كفاءته لذات النسب فمنهم من رأى أنه كفء لها ، ومنهم من لم ير ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها ،ويتعدى ذلك إلى ولدها . ( يراجع المغني 7 / 28 ) و ( الموسوعة الفقهية 34 / 282 ) .
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل زوج ابنته على شخص تبين أنه ولد زنا فما الحكم ؟ فأجاب سماحته :
" إذا كان مسلما فالنكاح صحيح ، لأنه ليس عليه من ذنب أمه ، ومن زنا بها شيء . لقول الله سبحانه : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . ولأنه لا عار عليه من عملهما إذا استقام على دين الله وتخلق بالأخلاق المرضية لقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس قال : أتقاهم .. وقال عليه الصلاة والسلام : " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " .. " ا.هـ من ( الفتاوى الإسلامية 3 / 166 ) . و الله أعلم .
تعليق