الحمد لله.
أولا:
المرأة التي ليس لها ولي - كالتي أسلمت دون أهلها - يتولى عقد نكاحها القاضي الشرعي ، فإذا كانت المرأة في موضع ليس فيه قاضٍ شرعي ، فيجوز لها أن تولي أمرها رجلاً عدلاً من المسلمين ليكون وليها ويعقد نكاحها . وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم : (212323).
ولا نعلم ما السبب الذي جعل الزوج يحكم على النكاح بأنه كان باطلاً . فلعل سبب ذلك أن الولي كان أحد الشاهدين ، وقد نص بعض العلماء على المنع من ذلك .
قال النووي رحمه الله : " ....... وَأَمَّا أَبُوهَا فَوَلِيٌّ عَاقِدٌ ، فَلَا يَكُونُ شَاهِدًا " . انتهى من "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (7 / 46).
والجواب على هذا ؛ بأنه إذا كان قد تم إعلان النكاح وإشهاره بين الناس فإنه يكون صحيحا ، وهذا الإعلان يغني عن الشهادة ، بل هو أقوى منها . وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (112112) .
ثانيا :
على فرض أن النكاح لم يكن صحيحاً ، فقد عقد الرجل وكذلك المرأة وهما يعتقدان صحة هذا النكاح فإذا طلق وقع الطلاق وحسب عليه ، وقد نص العلماء على أن الطلاق يقع في النكاح الفاسد ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَكَانَ وَلِيُّ نِكَاحِهَا فَاسِقًا : فَهَلْ يَصِحُّ عَقْدُ الْفَاسِقِ ؛ بِحَيْثُ إذَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ نِكَاحِ غَيْرِهِ ؟ أَوْ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ وَوَلِيٍّ مُرْشِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكِحَهَا غَيْرَهُ ؟
فَأَجَابَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ ، إنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ ؟ وَلَيْسَ لِأَحَدِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْوَلِيِّ : هَلْ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا ؛ لِيَجْعَلَ فِسْقَ الْوَلِيِّ ذَرِيعَةً إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ وَأَكْثَرَهُمْ يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ فِي مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ ؛ بَلْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ ...
وَهَذَا الزَّوْجُ كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَوْ مَاتَتْ لَوَرِثَهَا : فَهُوَ عَامِلٌ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ فَكَيْفَ يَعْمَلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى فَسَادِهِ فَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي صِحَّتِهِ ، فَاسِدًا إذْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي فَسَادِهِ ؟ وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ الشَّيْءِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَافَقَ غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ . وَهَؤُلَاءِ الْمُطَلِّقُونَ لَا يُفَكِّرُونَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ، لَا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالتَّوَارُثِ فَيَكُونُونَ فِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُفْسِدُهُ ، وَفِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُصَحِّحُهُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ وَالْهَوَى ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 100).
وقال أيضا رحمه الله : " وَمَنْ أَخَذَ يَنْظُرُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي صِفَةِ الْعَقْدِ ، وَلَمْ يَنْظُرْ فِي صِفَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ : فَهُوَ مِنْ الْمُتَعَدِّينَ لِحُدُودِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَحِلَّ مَحَارِمَ اللَّهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 101).
وقال البهوتي رحمه الله : "ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته كالنكاح بولاية فاسق ، أو النكاح بشهادة فاسقين ، أو بنكاح الأخت في عدة أختها البائن ، أو نكاح الشغار ، أو نكاح المحلل ، أو بلا شهود ، أو بلا ولي وما أشبه ذلك ، كنكاح الزانية في عدتها أو قبل توبتها " انتهى من "كشاف القناع" (5/237) ، ويراجع في ذلك الفتوى رقم : (116575).
وخلاصة الجواب : أن الطلاق واقع سواء قلنا بصحة النكاح أو بفساده ، فلا يجوز لهذه المرأة أن تعود إلى مطلقها حتى تنكح زوجا غيره .
والله أعلم .
تعليق