الحمد لله.
لوحة " الرجل الفيتروفي " (Vitruvian Man) رسمها الإيطالي " ليوناردو دافينشي " في العام ( 1490م ) ، تشتمل على صورة رجلين عاريين في وضع متراكب ، أحدهما داخل دائرة ، والآخر داخل مربع ، كلاهما ممدودا الذراعين أفقيًا ، وكتب تحت الرسم نصا معكوسا لا يقرأ إلا بالنظر إليه في المرآة . حاول في هذه اللوحة إظهار إيمانه بفكرة ( النِّسَب ) في هذا الكون ، أي أن جميع الخلق يترابط فيها بينه بنسب ثابتة في الهيئة والشكل ، فمثلا الذراع طوله ست مرات عرض كف اليد ، ومركز الإنسان ومركز الدائرة ونقطة تلاقى قطري المربع هي سرة الإنسان ، ونحو ذلك من الأطوال وبيان التناسب بينها . وقد كانت هذه النظرة محل عناية خاصة لدى " ليوناردو دافينشي " ، يرمز فيها إلى التناسب ما بين جسد الإنسان والكون ، والتلاحم ما بين الفن والعلوم ، لذلك كانت هذه اللوحة شعارا لما يسمى بـ " عصر النهضة " في التاريخ الأوروبي ، واتخذت شعارا من قبل العديد من الشركات الطبية ، ورمزا تاريخيا للحداثة والعلوم .
للتوسع ينظر الرابط الآتي :
http://en.wikipedia.org/wiki/Vitruvian_Man
وأما من جهة الحكم الشرعي لاستعمال مثل هذه الصور ، فلا بد من العلم أن الشريعة الإسلامية تحفظ المقاصد الأساسية ، والمصالح الضرورية ، وتراعي حاجات الناس وما يصلح شؤونهم ؛ حتى لو كان الأمر محرما تحريم وسائل ، فإن هذا التحريم يزول ويرتفع في حالة الحاجة التي تحفظ على الإنسان صحته وسلامته ، وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم : " الضرورات تبيح المحظورات " ، وقولهم : " الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة " ، فأجازوا – بناء على الأدلة الشرعية – للطبيب النظر إلى العورات لحاجة العلاج ، فمن باب أولى أن تجيز النظر إلى الرسم والصورة لحاجة تعلم العلاج .
يقول العز بن عبد السلام
رحمه الله :
" كشف العورات والنظر إليها مفسدتان محرمتان على الناظر والمنظور إليه ، لما في ذلك
من هتك الأستار ، ويجوزان لما يتضمنانه من مصلحة الختان ، أو المداواة ، أو
الشهادات على العيوب " انتهى باختصار من " قواعد الأحكام " (1/115) .
وجاء في قرار " المجمع الفقهي الإسلامي " رقم : 48 (10/1) : التأكيد على إباحة تشريح جثث الموتى ؛ لغرض تعليم الطب ، فقالوا : " يجوز تشريح جثث الموتى [ لغرض ] تعليم الطب وتعلمه ، كما هو الحال في كليات الطب " انتهى باختصار . وقد ذكروا بعض القيود المهمة لجواز التشريح .
فمن باب أولى أن يفتى بجواز
النظر إلى رسوم معينة لغرض تعليم التشريح البشري .
وقد سبق تقرير ذلك بالتفصيل في موقعنا ، في الفتوى رقم : (92820)
، (40054) ، (130353)
.
ولا فرق – في تقديرنا الفقهي – بين نظر المرأة إلى هذه الرسوم وبين نظر الرجل ، فالمرأة التي تتعلم الطب تحتاج أيضا إلى التعرف على جميع تفاصيل جسم الإنسان ، فهو وحدة واحدة ، ترتبط تركيبة الذكر والأنثى بالخلقة الواحدة ، والأجهزة المشتركة ، والطبيب الذي يبحث أن يفتح الله عليه فهم حقيقة عمل الجسم البشري لا بد أن يتعرف ويدرس جميع أجهزته وطبيعة خلقه ، سواء كان ذكرا أم أنثى ، ولا يمكن أن يتوصل إلى دراسة الطب إلا بذلك ، فهذه الضرورة أولى بدرجات من مخالفة النظر إلى صورة العورة ، ولهذا تقدم الشريعة مصلحة تعليم الطب على مفسدة النظر إلى رسم العورة .
على أنه ، لا ينبغي أن يغيب
عن البال : أن الضرورة تقدر بقدرها ، فما ساغ لمصلحة الدراسة ، لا يجوز التوسع في
استعماله ونشره والنظر إليه لغير هذه المصلحة المعتبرة .
وما أمكن دراسته والتعرف عليه ، وتحصيل مصلحة الدراسة على وجهها ، من دون النظر إلى
العورات ، أو مباشرتها : لم يحل فيه انتهاك مثل هذه العورات ، مباشرة ، أو رسما ،
أو نظرا ، ولو كان إلى صورة مرسومة .
وأما الأغراض الفنية : فليست في حد الضرورة ، بل ولا الحاجة المعتبرة شرعًا ، فلا يباح انتهاك العورات لأجلها .
والله أعلم .
تعليق