الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الكشف عند الصوفية ، وهل تصح الصلاة خلف من يدَّعِيهِ ؟

223510

تاريخ النشر : 18-04-2015

المشاهدات : 48134

السؤال


قصّ علينا إمام المسجد قصة رجل صالح ، وقال إن أمّ هذا الرجل أكلت خضاراً مخللاً أثناء حملها به ، دون أن تستأذن من صاحب الخضار ، وبعد أن كبر وصار رجلاً لاحظ هذا الرجل الصالح أن صلاته لا تقبل ( لاحظ ذلك من خلال الكشف ) ، وهنا أخبرته أمّه بأمر الخضار ، فعلم يقيناً أن ذلك سبب عدم قبول صلاته !! فلا أدري ما معنى كشف ! هل معنى ذلك أن الرجل يعرف أشياء بعون من الله تعالى ، كمن يعرف أن أبويه في النار مثلاً ؟ وما حكم الصلاة خلف إمام يؤمن بالكشف ؟ وهل تجوز الصلاة خلفه أصلاً ؟ وهل الكشف ممكن في حق كل رجل صالح ؟

الجواب

الحمد لله.


قد يأذن الله تعالى لبعض الناس في أن يعلم شيئاً من الأمور التي غابت عن غيره ، وأسباب ذلك يمكن أن نجملها في نوعين :
أسباب شرعية من الله ، وأسباب شيطانية .
فالأول : الأسباب الشرعية ، وتتضمن :
1. الكتب المنزلة وكلام أنبيائه ، وعامتها قد نالها التحريف والتبديل ولم يبق منها سالماً من ذلك إلا القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة . .
2. الإلهام والتحديث ، بأن يُلقى الشيء في قلب الإنسان ، أو يسمع صوتا يحدثه به .
3. الرؤى التي هي من الله .
والثاني : الأسباب الشيطانية , وتتضمن :
1. النفوس الشريرة التي تستعين بالجن والشياطين , كالسحرة والكهنة والعرافين .
2. المنامات الشيطانية .
3. نفثات الشياطين وتحديثهم حال اليقظة .
وذلك أن الشيطان قد يستمع بعض ما تتحدث به الملائكة في السماء مما أمر الله تعالى به أن يكون ، فيلقيها الشيطان على وليه من الإنس ، وذلك هو المراد بقوله تعالى على لسان الجن : ( وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً ) الجن/9. فأحيانه يدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وأحيانا يدركه بعد أن ألقاها .
وكل هذا يمكن أن يُطلق عليه اسم : " الكشف" , لأن الكشف هو " الاطلاع على ما وراء الحجاب ، من المعاني الغيبية ، والأمور الخفية ، وجوداً ، أو شهودا " انتهى من " الموسوعة العقدية " موقع الدرر السنية (1/114) .

فمن اطلع على الغيب بالأسباب الشرعية فلا حرج عليه على أقل تقدير , إن لم يكن مأجوراً مكرماً .
ومن اطلع على الغيب من نوافذ الضلال والطرق الشيطانية فقد يكون على خطر أو ملابساً للإثم أو الكفر .
ينظر جواب السؤال رقم : (12778) .

والكشف الصوفي في نسخته الأخيرة التي درج عليها كثير من متأخري الصوفية : " يعني عندهم رفع الحجب أمام قلب الصوفي ، وبصره ، ليعلم ما في السماوات جميعاً ، وما في الأرض جميعًا " انتهى من " الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة " لعبد الرحمن عبد الخالق (1/146) .

ومثل هذا لا يجوز لمسلم أن يعتقده ؛ لأن معناه أن الصوفي قد يعلم الغيب المطلق كمال العلم ، فلا يغيب عنه شيء ، وهذا من خصائص الله تعالى لا يشاركه فيها أحد من الخلق .
جاء في " الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة " (1/261-262) : " ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف ، بل تحقيق غاية عبادتهم ، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور الشرعية والكونية ، منها :
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم : ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً .
2ـ الخضر عليه الصلاة السلام : قد كثرت حكايتهم عن لقياه ، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية ، وكذلك الأوراد ، والأذكار والمناقب .
3ـ الإلهام : سواء كان من الله تعالى مباشرة ...
4ـ الفراسة : التي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها .
5ـ الهواتف : من سماع الخطاب من الله تعالى ، أو من الملائكة ، أو الجن الصالح ، أو من أحد الأولياء ، أو الخضر ، أو إبليس ، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن .
6ـ الإسراءات والمعاريج : ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي ، وجولاتها هناك ، والإتيان منها بشتى العلوم والأسرار .
7ـ الكشف الحسي : بالكشف عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر .
8 ـ الرؤى والمنامات : وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها ، حيث يزعمون أنهم يتلقَّون فيها عن الله تعالى ، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية " انتهى .

وهذا الكشف الصوفي كما هو ظاهر متضمن للحق والباطل , وما كان كذلك فإنه لا يقبل حتى يتميز , فيقبل الحق ويرد الباطل.
وقد كان متقدمو الصوفية لا يقبلون من الكشف العلمي أو الذوقي والوجداني إلا ما وافق الكتاب والسنة .
قال أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي : " رُبمَا يَقع فِي قلبِي النُّكْتَة من نكت الْقَوْم أَيَّامًا ، فَلَا أقبل مِنْهُ إِلَّا بِشَاهِدين عَدْلَيْنِ الْكتاب وَالسّنة " انتهى من " طبقات الصوفي " للسلمي (1/76) .

ويمكن تمييز الحق من الباطل من الكشف بأحد أمرين :
الأول : حال مدعي الكشف , فإن الرجل الصالح – ومثله المرأة – أهل للكشف الرباني , وإن الرجل الضال أهل لتنزل الشياطين عليه .
قال الله تعالى : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) سورة الشعراء / 221-223.
الثاني : مضمون الكشف هل هو مخالف للكتاب والسنة فيرد ؟ أم موافق لهما فيقبل ؟ أم لا مخالف ولا موافق , فيكون من أخبار الدنيا الصادقة ، وعلومها الصحيحة التي لا يتعلق بمجردها ولاية الله أو عداوته ؟
وقول السائل : " لاحظ هذا الرجل الصالح أن صلاته لا تقبل " فهذا غير مقبول ؛ لأنه يخالف القرآن الكريم . لأن الله تعالى قال : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) سورة الأنعام / 164 .
فكيف يعاقب الإنسان على ذنب لم يفعله بل فعلته أمه وهو حمل في بطنها ؟!

فهذا من جملة ما سبق الإشارة إليه ، من الكشف المخالف للكتاب والسنة ؛ وهو مردود غير مقبول ، ونقطع بأن هذا ليس من الله تعالى .

وأما قول السائل : " كمن يعرف أن أبويه في النار مثلاً " ؟
فالجواب : أن مثل هذا لا يقع علما عاما ، لعامة الناس ، إلا بخبر الله ورسوله ، الواجب التصديق ، كما ثبت عن العشرة المبشرين بالجنة ، وغيرهم ممن سماهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة .
أو من أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعينه : أنه من أهل النار .
فهذا هو العلم الذي يجب التصديق به على من بلغه ، والشهادة عليه .

ينظر جواب السؤال رقم : (731) .

وأما من سوى هؤلاء ، من أهل العلم الخاص ، فالأصل أن ذلك من الغيب الذي لا يعلم حصوله لأحد .
وإذا قدر أن أحداً وقع في قلبه شيء من ذلك ، فمثل هذا لا يجوز الشهادة بمضمونه ، ولا القطع على العلم والخبر به ؛ بل هو من باب الظن الذي يخطئ ويصيب .
ثم هب أن قائلاً قد ادعى علم شيء من ذلك ، وأخبر به ، فليس على أحد أن يصدقه فيما يقوله ، ولا أن يعتقد مضمونه ، ولا أن يخبر به غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"فَمَنْ ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ بِالنَّصِّ ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، كَالْعَشْرَةِ وَغَيْرِهِمْ : فَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَشْهَدُونَ لَهُ بِمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ النَّصُّ .
وَأَمَّا مَنْ شَاعَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ ، بِحَيْثُ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ : فَهَلْ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ . هَذَا فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ .
وَأَمَّا " خَوَاصُّ النَّاسِ " فَقَدْ يَعْلَمُونَ عَوَاقِبَ أَقْوَامٍ بِمَا كَشَفَ اللَّهُ لَهُمْ ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّنْ يَجِبُ التَّصْدِيقُ الْعَامُّ بِهِ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْكَشْفُ يَكُونُ ظَانًّا فِي ذَلِكَ ظَنًّا لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ، وَأَهْلُ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُخَاطَبَاتِ يُصِيبُونَ تَارَةً ؛ وَيُخْطِئُونَ أُخْرَى ؛ كَأَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ جَمِيعُهُمْ أَنْ يَعْتَصِمُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنْ يَزِنُوا مَوَاجِيدَهُمْ وَمُشَاهَدَتَهُمْ وَآرَاءَهُمْ وَمَعْقُولَاتِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؛ وَلَا يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ سَيِّدَ الْمُحَدَّثِينَ وَالْمُخَاطَبِينَ الْمُلْهَمِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ؛ وَقَدْ كَانَتْ تَقَعُ لَهُ وَقَائِعُ فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ صِدِّيقُهُ [يعني : أبا بكر الصديق رضي الله عنه] التَّابِعُ لَهُ ، الْآخِذُ عَنْهُ ، الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ مِنْ الْمُحَدَّثِ الَّذِي يُحَدِّثُهُ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ . وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" انتهى من " مجموع الفتاوى " (11/65) .
وانظر جواب السؤال رقم : (225045) .

وقول السائل : " حكم الصلاة خلف إمام يؤمن بالكشف "
فالجواب : إن كان هذا الإمام يدعي علم الغيب بإطلاقه , أو ينسب ذلك إلى غير الله ، أو يذهب إلى السحرة والكهنة والعرافين فيصدقهم ، أو يستعين بالشياطين لمعرفة الأمور الغيبية:
فلا تجوز الصلاة خلفه ؛ لأن ذلك كفر , ولا تجوز الصلاة خلف كافر .
ينظر جواب السؤال رقم : (7873) ، و (112069) .

وإن كانت مجرد أكاذيب وأوهام فالذي ينبغي هجران مثل ذلك الإمام ، وترك الصلاة خلفه ، لا سيما إذا كان يمكن صلاة الجماعة ، خلف من هو أولى منه ، وأمثل حالا .
وينظر جواب السؤال رقم : (102711) ، و(93150) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب