الحمد لله.
الرابط المشار إليه رابط تعليمي للصغار، يساعد على تمكين حفظ القرآن الكريم ، من خلال عرض آيات القرآن الكريم على غير ترتيبها في السورة ، ليعمل الحافظ على إعادة ترتيبها بالوجه الصحيح، فإذا نجح في ذلك أحرز نقطة وانتقل إلى اختبار آخر، وهكذا في إخراج لطيف يناسب الناشئة، ويشجعهم على الاستمرار.
ولا يخفى أن الوسائل التعليمية باب من أبواب الإيضاح والتفهيم ، وتثبيت العلم في ذهن المتلقي، اعتمادا على قوة نفوذ المعلومة بالجمع بين حاستي السمع والبصر، وإضافة اللمس والحركة في الرابط المشار إليه في السؤال، مع بعض التشجيع والتأييد في حال الصواب ، والتنبيه في حال الخطأ، فتتضافر تلك المؤيدات أو المعينات التعليمية في إيصال حقائق القرآن الكريم إلى الناشئة.
ومن الخطأ الواضح في تقديرنا عد هذه "الوسائل" في مفهوم اللهو واللعب القرآني المذموم، ذلك أن اللعب في القرآن يتضمن معنى الإعراض والغفلة عن رسالة الحق ، بل والإمعان في التباعد عن العلم بالإغراق في شهوات الدنيا وملذاتها، والجمع بين "الهزأ"، و"الخوض بالتكذيب"، و"الاستهزاء"، و"الغفلة"، و"الإعراض" ... كلها أعمال "اللعب" المذموم في القرآن الكريم ، تأمل ذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المائدة/ 57.
وقال تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) المائدة/ 58.
وقال عز وجل: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) الأنعام/ 70 .
وقال سبحانه: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) الأعراف/ 51 .
وقال جل وعلا: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) التوبة/ 65 .
وقال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ. مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ. لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) الأنبياء/ 1 – 3 .
وقال سبحانه: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) المعارج/ 42 .
فمن الخطأ البيّن أن تعد الوسائل التعليمية – على تنوعها وتفاوت تأثيرها – من منظومة "اللعب" المذموم، بل هي مناقضة لهذا المفهوم ؛ لأن الوسيلة هنا يراد بها التوصل إلى المقصود الشرعي الأهم، وهو حفظ القرآن الكريم، والتمكن من استحضاره، والتفاعل مع آياته، واستحضار ترتيبه وتسلسله، خاصة للأطفال، ويبدو أيضا أنه موجه أكثر لغير الناطقين باللغة العربية، الذين يجدون صعوبة أكبر وأشد في حفظ القرآن وتفهم آياته. وقد تقرر لدى جميع الفقهاء أن "الوسائل لها أحكام المقاصد"، وأنه إذا كان المقصد مشروعا، كانت الوسيلة "العادية" إليه مشروعة أيضا.
يقول الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله:
" للوسائل أحكام المقاصد ، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل ، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل" انتهى من "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (1/ 53) .
وقد سبق في موقعنا استعمال هذه القاعدة في تقرير جواز بعض عادات الوسائل إلى العبادات، ينظر منها: (219422).
هذا فضلا عن أن اللعب غير وارد أصلا في الرابط المشار إليه، بل هو في حقيقته "اختبارات" وامتحانات ، تعرض فيها الآيات الكريمات على غير ترتيبها، ويطلب من المتعلم إعادة الترتيب ، كما كان معلمو القرآن يختبرون طلابهم بتقطيع الآيات وإيراد المتشابهات والسؤال عن السابق واللاحق منها، فكله جائز لا حرج فيه.
والله أعلم .
تعليق