الحمد لله
لا حرج في إقامة الأم حفلا صغيرا بمناسبة بلوغ ابنتها سن السابعة ، تريد بذلك
تشجيعها وحثها على الصلاة ، وذلك للأوجه التالية:
أولا :
أن هذا الحفل ليس حفلا دينيا ، ولا عيدا يتكرر ، فهو داخل في أبواب العادات في
الفقه الإسلامي التي الأصل فيها الإباحة كما هي القاعدة في العادات .
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :
" العادات : الشارع قصد فيها اتباع المعاني ، لا الوقوف مع النصوص ، بخلاف باب
العبادات، فإن المعلوم فيه خلاف ذلك " انتهى باختصار من " الموافقات " (2/ 523) .
وقد سبق في موقعنا تقرير قاعدة : " الأصل في العادات الإباحة " في أجوبة موسعة ،
يمكنكم الاطلاع عليها في الأرقام الآتية : (135458)،
(149278) .
ثانيا :
هذا النوع من الأساليب التربوية يندرج في " الوسائل " ذات الإطار الرحب الذي جاءت
الشريعة بفتحه ، وتيسيره ، وتركه للناس وما يبدعون ، وما يناسب بيئتهم الثقافية
والاجتماعية ، فالحث على الصلاة والتزام التكاليف مقصد شرعي ، والوسيلة إليها أيضا
مشروعة ، سواء كانت من خلال الوعظ المباشر ، أو التسلية واللعب ، أو السلوك العملي
، أو الاحتفال مع الأهل والأصدقاء ، كلها وسائل مشروعة لمقصد مشروع ، والوسائل لها
أحكام المقاصد .
ثالثا :
لا فرق بين التشجيع قبل تعلم الصلاة أو بعد تعلم الصلاة ، فإذا لم يستنكر الناس
مكافأة الطفل لمحافظته على صلاته ، فلا ينبغي أن نستنكر – أيضا - إقامة تكريم صغير
له تحفيزا وتشجيعا وإيذانا ببدء مرحلة جديدة في حياته .
رابعا :
ثبت عن الصحابة الكرام أنهم استعملوا الوسائل المتيسرة في زمانهم لغرض التثبيت على
العبادة ، فعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها قَالَتْ : ( كُنَّا
نَصُومُهُ بَعْدُ [تعني عاشوراء] ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا ، وَنَجْعَلُ لَهُمُ
اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ
أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ ) رواه البخاري (1960)،
ومسلم (1136) .
ففيه دليل على تنوع الوسائل التربوية ، وجواز الاجتهاد فيها ، وأنها ليست توقيفية
ولا نصية ، وإنما الأمر متاح فيها بما يتناسب مع المقام .
وقد ذكر الفقهاء في أنواع " الولائم " ، و" طعام السرور " : طعام الحذاق ، وهو لأجل
تجدد نعمة دينية ، وليس لفعله أصل في السنة .
قال البهوتي رحمه الله :
" .. (حِذَاقٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ
قَافٌ ( لِطَعَامٍ عِنْدَ حِذَاقِ صَبِيٍّ ) ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ : يَوْمُ
حِذَاقِ الصَّبِيِّ ، يَوْمُ خَتْمِهِ الْقُرْآنَ " انتهى من " كشاف القناع "
(5/165) .
خامسا :
وأخيرا ، لا ينبغي التشديد في مثل هذه القضايا ، كي لا يجر ذلك نفورا من الدين ، أو
تنطعا زائدا يشق على الناس ، فالشريعة السمحة لا تمنع من العادات إلا ما فيه مفسدة
أو يؤدي إلى مفسدة ، وعندها ستجد أكثر الناس متفقين على وجاهة تحريم تلك العادة .
أما إذا لم يظهر وجه المفسدة ، فالكلام في التحريم حينئذ مجازفة تقتضي التوقف مرات
ومرات ، كي لا يقع هذا المحرم فيما نعاه الله على المشركين ، وفيما نهى عنه في قوله
عز وجل : ( قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ
حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ
بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) الأنعام/150.
والله أعلم .
تعليق