الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

عصمة الأنبياء

248875

تاريخ النشر : 25-11-2016

المشاهدات : 26092

السؤال


هل الأنبياء معصومون ؟ وإن كانوا كذلك ، فكيف تفسر ما حدث لنبي الله يونس عليه السلام؟

الجواب

الحمد لله.


الأنبياء معصومون في التبليغ عن الله تعالى ، فلا يكون خبرهم إلا حقا ، ولا يقع الغلط في تبليغهم لا عمدا ولا سهوا .
ومعصومون من الكبائر كالزنا والسرقة .
ومعصومون من الصغائر التي تدل على الخسة ، كسرقة لقمة، أو التطفيف بحبة.
وقد يقع منهم الخطأ من الصغائر التي لا تدل على الخسة ، لكن لا يقرون على ذلك، بل يتداركهم الله تعالى وينبههم عليه فيعودون عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر ، هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/319).
وقال السفاريني رحمه الله : " قال القاضي عياض : أجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات ، قال : وقد ذهب بعضهم إلى عصمته من مواقعة المكروه قصدا . انتهى .
وقال العلامة السعد التفتازاني : وفي عصمتهم من سائر الذنوب تفصيل ، وهو أنهم معصومون عن الكفر ، قبل الوحي وبعده بالإجماع ، وكذا عن تعمد الكبائر عند الجمهور ...
وإنما الخلاف في أن امتناعه بدليل السمع أو العقل ، وأما سهوا فجوز الأكثرون ، قال : وأما الصغائر فتجوز عمدا عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه ، وتجوز سهوا بالاتفاق إلا ما يدل على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة ، لكن المحققين شرطوا أن ينهوا عنه فينتهوا منه" .
انتهى من " لوامع الأنوار البهية " (2/305).

والدليل على ‏وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها :‏‏ - قوله تعالى عن آدم : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى . ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) طه / ‏‏121-122 ، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم – عليه الصلاة والسلام - ، وعدم إقراره عليها ، مع توبته إلى ‏الله منها .‏
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" وأما الرسول صلى الله عليه وسلم : فعصمته فيما استقر تبليغه من الرسالة ، باتفاق المؤمنين ... إذ لا نزاع بين الأئمة في أنه لا يقر على ما هو خطأ في تبليغ الرسالة ، فإن معصوم الرسالة لا يحصل مع تجويز هذا.
وأما تنازع الناس في غير هذا ، كتنازعهم في وقوع الخطأ والصغائر : فإنهم أيضا لا يقرون على ذلك . فإذا قيل هم معصومون من الإقرار على ذلك ، كان في ذلك احتراز من النزاع المشهور ؛ بل إذا كان عامة السلف والأئمة وجمهور الأمة يجوز ذلك على الأنبياء ، ويقولون هم معصومون من الإقرار على الذنوب ، ويقولون : وقوع ما وقع إنما كان لكمال النهاية ، لا لتفضيل البداية ؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، كما دل الكتاب والسنة والآثار على ذلك " .
انتهى من "بغية المرتاد" (501) .
وقال أيضا :
" والقول الذي عليه جمهور الناس ، وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف : إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا ، والرد على من يقول إنه يجوز إقرارهم عليها .
وحجج القائلين بالعصمة إذا حررت إنما تدل على هذا القول. وحجج النفاة لا تدل على وقوع ذنب أقر عليه الأنبياء .
فإن القائلين بالعصمة احتجوا بأن التأسي بهم مشروع ، وذلك لا يجوز مع تجويز كون الأفعال ذنوبا ؟
ومعلوم أن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أقروا عليه ، دون ما نهوا عنه ، ورجعوا عنه . كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم ينسخ منه ، فأما ما نسخ من الأمر والنهي : فلا يجوز جعله مأمورا به ، ولا منهيا عنه ؛ فضلا عن وجوب اتباعه والطاعة فيه.
وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال ، أو أنها ممن عظمت عليه النعمة أقبح ، أو أنها توجب التنفير ، أو نحو ذلك من الحجج العقلية .
فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك ، وعدم الرجوع ؛ وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها الله : يرفع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه .." انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/294) .
ومن ذلك ما وقع ليونس عليه السلام، وتركه قومه قبل أن يأذن الله له فيه.
قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا) الأنبياء/87 .
قال الأمين الشنقيطي رحمه الله: " وقوله في هذه الآية الكريمة : مغاضبا أي : في حال كونه مغاضبا لقومه . ومعنى المفاعلة فيه : أنه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب بهم ، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه ، فأوعدهم بالعذاب . ثم خرج من بينهم على عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج . قاله أبو حيان في البحر...
فقوله في آيات الصافات المذكورة : (إِذْ أَبَقَ) أي : حين أبق ، وهو من قول العرب : عبد آبق ؛ لأن يونس خرج قبل أن يأذن له ربه ، ولذلك أطلق عليه اسم الإباق واستحقاق الملامة في قوله : (وهو مليم) لأن المليم اسم فاعل ألام إذا فعل ما يستوجب الملام ...
وآية القلم المذكورة تدل على أن نبي الله يونس - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - عجل بالذهاب ومغاضبة قومه ، ولم يصبر الصبر اللازم بدليل قوله مخاطبا نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيها : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) الآية. فإن أمره لنبينا - صلى الله عليه وسلم - بالصبر ونهيه إياه أن يكون كصاحب الحوت دليل على أن صاحب الحوت لم يصبر كما ينبغي" انتهى من " أضواء البيان " (4/241).
وهذا لا ينقص من قدر يونس عليه السلام.
قال شيخ الإسلام:
" ... ما تضمنته " قصة ذي النون " مما يلام عليه كله مغفور بدله الله به حسنات؛ ورفع درجاته، وكان بعد خروجه من بطن الحوت وتوبته ، أعظم درجة منه قبل أن يقع ما وقع ؛ قال تعالى: فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه ربه فجعله من الصالحين .
وهذا بخلاف حال التقام الحوت فإنه قال: فالتقمه الحوت وهو مليم ؛ فأخبر أنه في تلك الحال مليم ، و" المليم " : الذي فعل ما يُلام عليه .
فالمَلام في تلك الحال ، لا في حال نبذه بالعراء وهو سقيم ؛ فكانت حاله بعد قوله: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، أرفع من حاله قبل أن يكون ما كان .
والاعتبار بكمال النهاية ، لا بما جرى في البداية ، والأعمال بخواتيمها . والله تعالى خلق الإنسان وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا ، ثم علمه ، فنقله من حال النقص إلى حال الكمال ؛ فلا يجوز أن يعتبر قدر الإنسان بما وقع منه قبل حال الكمال ؛ بل الاعتبار بحال كماله ؛ ويونس صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء : في حال النهاية ، حالهم أكمل الأحوال" .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/299) .
وينظر: سؤال رقم : (42216) ، ورقم : (7208) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب