الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

معنى "تعالى جدك" في دعاء الاستفتاح.

السؤال

وصلني اليوم رسالة تقول بالنص : " أن أغلب المصلين يخطئون في دعاء الاستفتاح فيقولون "وتعالى جَدُك" بفتح الجيم وهذا خطأ كبير ، لأن الله سبحانه وتعالى لا والد له ولا ولد ولا جد ! . ، والصحيح قول "جِدُك" بكسر الجيم ومعناها العظمة لله . " ما صحة هذا الكلام ؟ وما الصحيح في القول جَدك أم جِدك ؟

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  ضبط الحديث (وتعالى جَدُّك) بفتح الجيم ، قولا واحدا ، وهو العظمة . ولا يصح أن يقال بكسر الجيم (جِدُّك) فإن في هذا تحريفا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله بالفتح ، ولم يذكر أحد من العلماء – بعد البحث – وجها آخر في ضبط الحديث .

الجواب

الحمد لله.

روى مسلم في صحيحه (399) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ .

وقد روي ذلك مرفوعا ، وموقوفا على عمر ، وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

وينظر : "السنن" للدارقطني (2/58) وما بعدها . سلسلة الأحاديث الصحيحة (2996) ، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (ص93) للألباني رحمه الله.

وقد ضبط العلماء من أهل الحديث والفقه واللغة وغيرهم (الجَدّ) هنا بفتح الجيم ، ولم يذكروا غيره.

و(الجَدُّ) هو العظمة .

فمعنى الحديث : تعالت عظمتك .

قال النووي رحمه الله في "تهذيب الأسماء واللغات" (3/331) :

"وقوله في دعاء الاستفتاح: (وتعالى جدك) مفتوح الجيم ، أي ارتفعت عظمتك .

وقيل : المراد بالجد: الغنى ، وكلاهما حسن، ولم يذكر الخطابي إلا العظمة، ومنه قوله تعالى إخبارًا عن الجن: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) (الجن/3) أي عظمته" انتهى .

وقال البعلي في "المطلع على أبواب المقنع" (ص 46) :

"(وتعالى جدك) جدُّك، بفتح الجيم" انتهى .

وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (2/478) :

"( وَتَعَالَى جَدُّكَ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ، أَيْ : عَلَا جَلَالُكَ ، وَارْتَفَعَتْ عَظَمَتُك" انتهى .

وفي حاشية ابن قاسم على "الروض المربع" (2/22) :

"و(جد) بفتح الجيم ، العظمة والحظ والسعادة والغناء، وتعالى: تعاظم، جاء على بناء السعة والمبالغة، فدل على كمال العلو ونهايته، أي : علا جلالك، وارتفعت عظمتك، وجلت فوق كل عظمة، وعلا شأنك على كل شأن، وقهر سلطانك كل سلطان" انتهى .

وفي "توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام" للبسام (2/169) :

"جدّك: بفتح الجيم وتشديد الدال، أي عظمتك وجلالك وسلطانك" انتهى .

وقد تكررت هذه الكلمة (جَد) بفتح الجيم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية .

قال الله تعالى على لسان الجن : (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً ) الجن/3 .

قال السعدي رحمه الله (ص890) : أي : تعالت عظمته ، وتقدست أسماؤه" انتهى .

وقال القرطبي رحمه الله (19/8) : "(جد ربنا) أي : عظمته وجلاله" انتهى .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) رواه البخاري (844) ، ومسلم (593).

قال العلماء أي : لا ينفع ذا الحظ والغنى والجاه، منك : حظُّه، وغناه، وجاهه .

قال ابن رجب في قوله صلى الله عليه وسلم : (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) :

"والجد -بفتح الجيم- المراد به في هذا الحديث: الغنى، والمعنى: لا ينفع ذا الغنى منك غناه.." انتهى من "فتح الباري لابن رجب" (7/417) .

وقال النووي في شرح صحيح مسلم :

"وَقَوْله : ( ذَا الْجَدّ ) الْمَشْهُور فِيهِ فَتْح الْجِيم، هَكَذَا ضَبَطَهُ الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ .

قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ : هُوَ بِالْفَتْحِ ، قَالَ : وَقَالَهُ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكَسْرِ ، قَالَ : وَهَذَا خِلَاف مَا عَرَفَهُ أَهْل النَّقْل ، قَالَ : وَلَا يَعْلَم مَنْ قَالَه غَيْره .

وَضَعَّفَ الطَّبَرِيّ وَمَنْ بَعْده الْكَسْر ، قَالُوا : وَمَعْنَاهُ - عَلَى ضَعْفه - : الِاجْتِهَاد ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الِاجْتِهَاد مِنْك اِجْتِهَادُه ، إِنَّمَا يَنْفَعهُ وَيُنْجِيه: رَحْمَتُك .

وَقِيلَ: الْمُرَاد: ذَا الْجَدّ وَالسَّعْي التَّامّ فِي الْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا .

وَقِيلَ : مَعْنَاهُ الْإِسْرَاع فِي الْهَرَب ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الْإِسْرَاع فِي الْهَرَب مِنْك هَرَبَهُ ، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتك وَسُلْطَانك .

وَالصَّحِيح الْمَشْهُور: الْجَدّ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الْحَظّ وَالْغِنَى وَالْعَظَمَة وَالسُّلْطَان ، أَيْ لَا يَنْفَع ذَا الْحَظّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَالْوَلَد وَالْعَظَمَة وَالسُّلْطَان، مِنْك : حَظّه ؛ أَيْ لَا يُنْجِيه حَظّه مِنْك ، وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ وَيُنْجِيه الْعَمَل الصَّالِح ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَات الصَّالِحَات خَيْر عِنْد رَبّك)" انتهى .

وبهذا يتبين أن ضبط الحديث (وتعالى جَدُّك) بفتح الجيم ، قولا واحدا ، وهو العظمة .

ولا يصح أن يقال بكسر الجيم (جِدُّك) فإن في هذا تحريفا لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه صلى الله عليه وسلم قاله بالفتح ، ولم يذكر أحد من العلماء – بعد البحث – وجها آخر في ضبط الحديث .

ولأنه بالكسر يتغير معنى الحديث ، فالجِدُّ بالكسر هو الاجتهاد في العمل ، وضد الهزل ، وهذا المعنى غير مراد من الحديث .

والواجب على من أراد أن ينبه الناس على خطأ يقعون فيه: أن يتأكد من صحة الكلام قبل نشره ، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بالأحكام الشرعية والأحاديث النبوية ، حتى لا يقع في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث لا يشعر ، وحتى لا ينهى عن الصواب ويأمر بالخطأ ، فيكون من (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) الكهف/104.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: اللقاء الشهري 17