الحمد لله.
قد صح في فضل الشام أدلة كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ومن ذلك قول الله تعالى:
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء (1).
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى:
" وقوله ( الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ) يقول تعالى ذكره: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم " انتهى. "تفسير الطبري" (14 / 448).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟
قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَفِي نَجْدِنَا؟
فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ) رواه البخاري (7094).
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : "واعلم أن البركة في الشام : تشمل البركة في أمور الدين والدنيا، ولهذا سميت الأرض المقدسة" انتهى من "مجموعة رسائل ابن رجب" (3/224) .
وهذا أمر ملموس فبلاد الشام من أحسن البلدان رزقا.
ثانيا:
ورد أيضا ما يدل على أن بالشام من الإيمان والخير، أكثر مما في غيرها من البلدان.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ ، حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ ، بِالشَّامِ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (36 / 62). وصححه محققو المسند، وصححه الألباني في " تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق " (ص 13).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وعمود الكتاب والإسلام : ما يعتمد عليه، وهم حملته القائمون به.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( عقر دار المؤمنين الشام ) ... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (27 / 42).
وحديث : ( عقر دار المؤمنين الشام ) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1935) .
وعَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ.
قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ.
فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ ) رواه أبو داود (2483)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2483).
والغُدُر: جمع غدير، وهو الحوض .
والأخبار في هذا متعاضدة.
ولا يقدح في هذا أن يكون في عصر من العصور ضعف للدين في هذه البلاد، فالخبر متعلق بعموم الزمان، فأهل الشام ما زالوا حصن الإسلام والمسلمين، فما زالت هذه البلاد الطيبة تصدر حملة العلم العاملين به المبينين للناس أمر دينهم، المجددين لما وهن منه، وعلى أرضها ويد أهلها كسرت أعظم الحملات العسكرية لأهل الكفر على بلاد الإسلام، كما حصل في "الحروب الصليبية"، وكصد التتار وشرهم عن بلاد الإسلام، ففيها كسرت شوكتهم.
وهذا الخير سيستمر فيهم ، إن شاء الله ، إلى آخر الزمان ، حتى يهلك الله تعالى المسيح الدجال وأتباعه على أيديهم ، حين ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، ويقود المؤمنين لقتال الدجال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"والنبي صلى الله عليه وسلم ميَّز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائماً إلى آخر الدهر، وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر، فهو إخبار عن أمر دائم ، مستمر فيهم ، مع الكثرة والقوة .
وهذا الوصف ليس لغير أهل الشام من أرض الإسلام ... ؛ فلم يزل فيها العلم والإيمان، ومن يقاتل عليه ، منصوراً مؤيداً ، في كل وقت" انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/449) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قلت : يا نبي الله! ما كان أوّل بدء أمرك؟ قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أُمّي أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام" صححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة (1545) .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/444) : "وتخصيص الشام بظهور نوره : إشارة إلى استقرار دينه، ونبوته ببلاد الشام .
ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم" انتهى .
وأما نقص التدين في عصر من العصور فهذا قد يحدث لحكمة يريدها الله تعالى، لكن هذا لا يبطل الأصل العام .
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث إلى أن أهل الشام قد يفسدون ، وإذا وقع ذلك فإن أثره سيظهر على جميع الأمة .
فعن مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) رواه الترمذي (2192) وقال: " وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".
وهذا ما نرى مصداقه في عصرنا الحاضر، فمن يوم تمكن اليهود من قلب الشام ، بيت المقدس وما حولها، وقطّعت بلاد الشام على دويلات يُمكر بأهلها، فمن ذلك الزمن والمسلمون في ضعف ووهن .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم.
تعليق