الحمد لله.
أولا :
الواجب مراعاة الترتيب بين الأولياء ، فلا يجوز أن يتقدم الولي الأبعد على الولي الأقرب في عقد النكاح .
قال البهوتي رحمه الله :
"وإن زوج الأبعد ، أو" زوج "أجنبي" ، ولو حاكما ، "من غير عذر" للأقرب : "لم يصح" النكاح ؛ لعدم الولاية من العاقد عليها ، مع وجود مستحقها " . انتهى من "الروض المربع" (336) .
وينظر جواب السؤال رقم (99696).
وينبغي أن يعلم أن مجرد فسق الولي لا يسقط ولايته ، على القول الراجح ؛ إلا إذا كان فسقه مضرا بالمرأة ، كأن يريد تزويجها من فاسق مثله .
وينظر جواب السؤال رقم (21944).
ثانيا :
إنك وُجد عذر شرعي يسمح بتولية الأبعد ، فلا حرج ، كأن يكون عاضلا لموليته ، فيمتنع من تزويجها من الكفء المرضي دينه وخلقه ، أو يكون مجنونا ؛ فإن الولاية تنتقل إلى من بعده حينئذ ، ويسقط حقه في الولاية ؛ لأن الولاية على المرأة إنما جعلت للولي ليرعى مصالحها ، لا ليمنعها مصالحها ، ويسعى في الإضرار بها بتأخير نكاحها وتفويت حقها في النكاح .
وينظر جواب السؤال رقم (171588) ورقم (195950)
ثالثا :
إذا سقط حق الولاية عن الولي المباشر ، فهل تنتقل إلى من يليه من العصبات ، أو تنتقل مباشرة إلى السلطان ومن يقوم مقامه كالقاضي ؟ في المسألة قولان لأهل العلم رحمهم الله .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال : (171588) ، فليراجع .
والأقرب في ذلك : مذهب الحنابلة : أنها تنتقل إلى الولي الأبعد ؛ فإن فقد ، أو امتنع من التزويج : انتقلت إلى السطان.
جاء في "كشاف القناع" (5/50) : " (وَإِنْ غَابَ) الْوَلِيُّ (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يُوَكِّلْ) مَنْ يُزَوِّجُ زَوَّجَ الْوَلِيُّ (الْأَبْعَدُ) دُونَ السُّلْطَانِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا وَهَذِهِ لَهَا وَلِيٌّ (مَا لَمْ تَكُنْ أَمَةً) " انتهى .
وفي البلاد التي لا يوجد بها قضاء شرعي ، يقوم المفتي أو شيخ المركز الإسلامي ونحوهما مقام القاضي المسلم .. ولكن ذلك إنما يكون بعد تعذر الاتصال بالولي .
رابعاً :
إذا غاب الولي : فالواجب الاتصال به ، ما دام ذلك ممكنا ؛ فإما أن يحضر بنفسه ليعقد النكاح، أو يوكل هو من يعقد نيابة عنه .
فإن تعذر التواصل معه ، حتى يضر ذلك بالمرأة ، لو انتظرته ، أو يفوت عليها الزواج الملائم لها ، ساغ الانتقال إلى الولي الأبعد .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، في جواب عن امرأة مات والدها ، وإخوانها في دولة أخرى عنها :
" إذا أمكن مراجعة إخوانها ليحضروا أو يوكلوا تعين ذلك، فإن لم يمكن إلا بصعوبة وطول انتظار فقد ذكر العلماء بأن الولي إذا غاب غيبة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فيزوجها الولي الأبعد فإن لم يكن لها أولياء مطلقاً فوليها الحاكم، لحديث (السلطان ولي من لا ولي له) (1) وهذه المرأة لغيبة أوليائها وانقطاعها منهم تنزل منزلة من لا ولي له. " انتهى، من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/101) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وفيما سبق كانت المسافات بين المدن لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، والآن بأسهل السبل، فربما لا يحتاج إلى سفر، فيمكن يخاطب بالهاتف، أو يكتب الأب بالفاكس وكالة ويرسلها بدقائق، فالمسألة تغيرت.
...
والذي ينبغي أن يقال: إن كانت مراجعة الولي ممكنة فإنه لا يزوِّج الأبعد؛ والسبب في هذا أننا لو قلنا بتزويج الأبعد في هذه الحال مع إمكان المراجعة؛ لأدى ذلك إلى الفوضى، وصار كل إنسان يريد امرأة ، يذهب إلى ابن عمها إذا غاب أبوها ـ مثلاً ـ في سفر حج، أو نحوه، ثم يقول: زوجني، فيحصل بذلك فوضى ما لها حد .
...
فالصواب أنه متى أمكن مراجعة الولي الأقرب : فهو واجب .
وإذا لم يمكن، وكان يفوت به الكفء : فليزوجها الأبعد" انتهى من الشرح الممتع (12/89-91) باختصار .
وينظر جواب السؤال رقم (150788).
خامسا :
إذا دعت الحاجة إلى أن يوكل الولي الأقرب وليا أبعد ، أو يوكل أجنبيا في نكاح موليته : جاز ذلك ، كما سبق ذكره .
وليس للوكالة نص محدد ، بل كل ما يفيد الوكالة ، فإنه يحصل به المقصود .
وقد تكون الوكالة مقيدة بزوج معين ، وقد تكون مطلقة .
فقد يقول الولي للوكيل : زوج ابنتي من فلان ، فهنا لا يجوز للوكيل أن يزوجها من غيره .
وقد يقول له : زوج ابنتي ممن تراه مناسبا لها ، فله أن يزوجها بمن شاء ما دام مناسبا لها .
ويصح أن تكون الوكالة مشافهةً بالهاتف مثلا ، ويصح أن تكون مكتوبة ، وإذا كُتبت ووقع عليها الولي فهو رضا منه بالتوكيل .
ولا يجب ذكر التاريخ فيها ، ولكنّ ذكره أفضل ، كما ينبغي أن يشهد عليها ، ولو بالهاتف ، حتى لا ينسى أو يقع نزاع بعد ذلك .
سادسا :
الأخوال ، وأبناء الأخوال ، وعموم الأقارب من جهة الأم ليس لهم شيء من الولاية في النكاح ، لأن الولاية مختصة بالعصبة .
والعصبة هم الأقارب الذكور من جهة الأب ، وترتيبهم في ولاية النكاح على النحو التالي : الأب ثم الجد ثم الابن [إن كانت المرأة سبق لها الزواج] ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم .... إلخ ، والأخ الشقيق أولى من الأخ لأب ، وهكذا في الأعمام وأبناء الأعمام .
قال في " المطلع " (ص366) في باب العصبات :
" قال الجوهري : وعصبة الرجل : بنوه وقرابته لأبيه . وإنما سموا عصبة ؛ لأنهم عصبوا به ، أي : أحاطوا به ، فالأب طرف ، والابن طرف ، والعم جانب ، والأخ جانب ، والجمع العصبات" انتهى .
لكن إن دعت الحاجة إلى أن يكون الخال ، أو ابن الخال ، أو ابن الخالة ، ونحوهم هم من يتولون النكاح ، فطريق ذلك : أن يوكلهم الولي الشرعي في تزويج المرأة ، لا أنهم يتولون بأنفسم ذلك ، ولا أن توكلهم المرأة بنفسها فيه.
وينظر جواب السؤال رقم (152595) ورقم (98546).
وخلاصة الجواب :
لا يجوز للمرأة أن تعقد النكاح بدون ولي ، وترتيب الأولياء هو كما سبق .
إذا أمكن الاتصال بالولي فإن حقه في الولاية لا يسقط .
فإن تعذر الاتصال به ، أو كان غير صالح للولاية : انتقلت إلى من بعده من الأولياء ثم تنتقل بعدهم إلى الحاكم المسلم .
الخال ، وابن الخال ، وابن الخالة ، ونحوهم : ليسوا من أولياء المرأة الذين يتولون نكاحها ، لكن إن وكلهم الولي الشرعي في تزويج المرأة : صح ذلك .
إذا وجدت المرأة في بلد غير إسلامي ولا ولي لها فيه ، وتعذر الاتصال بأوليائها ، فيقوم إمام الجامع أو مدير المركز الإسلامي مقام القاضي المسلم في تزويجها .
والله أعلم .
تعليق