الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

متى يكون الولي عاضلا ؟ ويجوز انتقال الولاية لمن بعده من الأولياء

171588

تاريخ النشر : 06-06-2011

المشاهدات : 111104

السؤال


تلجأ بعض الفتيات - إذا رفض أبوها الخاطبَ وكانت هي معجبة به - ، أن تذهب إلى المركز الإسلامي وتدعي عضل وليها لها ، لتنتقل الولاية إلى غيره ، أو ليزوجها مدير المركز الإسلامي إن لم يكن لها ولي آخر ، وقد يتعاطف معها مدير المركز ويزوجها دون التحقق من العضل ، ويترتب على ذلك مشاكل بين الأولياء أو بين الولي والزوج والفتاة فما الحكم في ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.


يلزم الولي أن يزوج موليته من الخاطب الكفء الذي رضيت به ، وإلا كان عاضلا لها .

قال ابن قدامة رحمه الله : " ومعنى العضل : منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه...
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه ، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد . وقال أبو حنيفة : لهم منعها من التزويج بدون مهر مثلها...
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383).

والعضل محرم ؛ لقوله تعالى : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/232
روى البخاري (5331) عن الْحَسَن أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَفًا فَقَالَ خَلَّى عَنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَخْطُبُهَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ .

وعليه ؛ فلا يجوز لولي المرأة أن يمنعها من الزواج بالكفء الذي رضيت به .
والأصل في الولي أنه حريص على مصلحة موليته ، ولهذا قد يرد الخاطب لأسباب تتعلق بأخلاقه وسمعته ، أو بأهله وأسرته ، أو لغير ذلك ، فينبغي حينئذ أن يبين سبب رفضه للخاطب ، فإن كان سببا معقولا وجيها لم يكن عاضلا ، وإن ردّه لغير سبب ، أو لسبب غير معتبر ، كان عاضلا ، وربما حصل الخلاف في كون السبب معتبرا أو غير معتبر ، وهذا يؤكد عدم التسرع في الحكم بالعضل ، ولزوم التريث والسؤال والتأكد قبل تزويج المرأة ، لا سيما إذا لم يكن لها أولياء آخرون وكان تزويجها سيتم عن طريق المركز الإسلامي .
ولأهمية أمر النكاح ، وعظم الآثار المترتبة عليه ، واحتمال الخطأ في دعوى العضل ، ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه في حال العضل لا تنتقل الولاية إلى الولي الأبعد ، بل تنتقل إلى السلطان ( القاضي ) ، وذهب جماعة آخرون إلى أن العضل لا يثبت إلا إذا تكرر ثلاث مرات .
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (30/144 ) : " ذهب الفقهاء إلى أنه إذا تحقق العضل من الولي وثبت ذلك عند الحاكم , أمره الحاكم بتزويجها إن لم يكن العضل بسبب مقبول , فإن امتنع انتقلت الولاية إلى غيره .
لكن الفقهاء اختلفوا فيمن تنتقل إليه الولاية : فعند الحنفية , والشافعية ، والمالكية - عدا ابن القاسم - وفي رواية عن أحمد أن الولاية تنتقل إلى السلطان ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) ; ولأن الولي قد امتنع ظلما من حقٍّ توجه عليه فيقوم السلطان مقامه لإزالة الظلم , كما لو كان عليه دين وامتنع عن قضائه . وروي ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وشريح , لكن ذلك مقيد عند الشافعية بما إذا كان العضل دون ثلاث مرات .
والمذهب عند الحنابلة أنه إذا عضل الولي الأقرب انتقلت الولاية إلى الولي الأبعد , نص عليه أحمد ; لأنه تعذر التزويج من جهة الأقرب فملكه الأبعد كما لو جن ، ولأنه يفسق بالعضل فتنتقل الولاية عنه , فإن عضل الأولياء كلهم زوج الحاكم , وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( السلطان ولي من لا ولي له ) فيحمل على ما إذا عضل الكل ; لأن قوله : ( فإن اشتجروا ) ضمير جمع يتناول الكل . وقال الشافعية : إذا تكرر العضل من الولي الأقرب , فإن كان ثلاث مرات انتقلت الولاية للولي الأبعد , بناء على منع ولاية الفاسق ; لأنه يفسق بتكرر العضل منه " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن فتاوى إسلامية (3/148).
والحاصل أنه لا يجوز لمدير المركز الإسلامي أن يتسرع في تزويج المرأة بحجة العضل ، بل يسأل وليها ، ويقف على سبب رفضه للخاطب ، فإن تبين أن له وجها ، لم يكن له أن يزوجها . وإن تبين أن رفضه لا لسبب معتبر ، ولم يكن لها ولي غيره ، زوجها مدير المركز ، لا سيما إذا تكرر الرفض من الولي .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب