الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم الخل المصنوع من الخمر

السؤال

أنا أعيش في النمسا ، وعندي علم بالواقع الفعلي وما يحصل في مصانع الكاتشاب والمايونيز وكيف يصنع الخل هنا . كونوا على علم بالواقع ولا تصدروا فتاوى بدون علم ، في كل أوروبا ألمانيا النمسا ايطاليا بيعملوا أول شيء خمر وعندما يصير خمرا يعالجوه ويعملوه خل ، لأجل ذلك هيئة الغذاء تجبرهم أن يكتبوا الاسم مضبوط عليه : Wein-Essig أو, Brantweinessig أو weingeistessig أو weintraubenessig أو Apfelweineesig وكل هذه الأسماء تعمل خمر أولا ومن بعد ذلك يعالجون ويعملوه خل لان طعمه يكون أطيب وعندنا هنا يفضلوا يعملوه بأحسن طعم ... واللي يضعونه بالكتشب والميونيز هو Brantweisessig بألمانيا و weisessig بالنمسا وترجمته هي (خل الخمر) . بل أكثر من ذلك في إيطاليا خل البالساميك غالي مثل الخمر لانهم يجعلونه خمرا يعتق فيكون عتيق وغالي وطعمه طيب ثم ذلك بعد يصنعوا الخل . حرام حرام الناس صارت تأكل بألمانيا حرام وما لكم عذر عند الله بعد توضيحي في هذه الرسالة. أسألوا ماذا يحصل بالمصانع وتحت الارض من صناعة الخل بأوروبا وبعد ذلك افتوا للناس ، هل هذا دين محمد عليه الصلاة والسلام؟ اللهم قد بلغت اللهم فاشهد

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الخمر إذا تخللت بنفسها من غير معالجة، فلا خلاف في جواز استعمال هذا الخل الناشئ عن الخمر، وكذا إذا تخللت بنقلها من شمس إلى ظل وعكسه ، عند جمهور الفقهاء.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل الخل، ومدحه وأثنى عليه، كما روى مسلم (2052) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ، وَيَقُولُ: نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ، نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ .

وأما إن عولجت الخمر حتى صارت خلا، بأن ألقي فيها خل أو بصل أو ملح ، أو أوقد عندها نار بقصد التخليل، فهذه المعالجة محرمة على الراجح، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ، ورواية عن مالك.

"وقال الحنفية ، وهو الراجح عند المالكية: يجوز تخليل الخمر، ويحل شرب ذلك الخل ، وأكله لقوله عليه الصلاة والسلام: (نعم الأدم الخل) ، مطلقا من غير تفريق بين التخليل والتخلل .

ولأن التخليل يزيل الوصف المفسد، ويثبت وصف الصلاحية؛ لأن فيه مصلحة التداوي، والتغذي، ومصالح أخرى ؛ وإذا زال المفسد الموجب للحرمة : حلت، كما إذا تخللت بنفسها .

ولأن التخليل إصلاح ، فجاز ؛ قياسا على جواز دبغ الجلد" الموسوعة الفقهية (19/ 260).

وينظر: الفقه الإسلامي وأدلته (4/ 2629).

والدليل على تحريم التخليل: ما روى أحمد (12189) وأبو داود (3675) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، فَقَالَ:  أَهْرِقْهَا  قَالَ: أَفَلَا نَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ:  لَا .

والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.

قال النووي رحمه الله: " (فرع) في مذاهب العلماء في تخلل الخمر وتخليلها: أما إذا انقلبت بنفسها خلا : فتطهر ، عند جمهور العلماء ونقل القاضي عبد الوهاب المالكي فيه الإجماع وحكى غيره عن سحنون المالكي أنها لا تطهر.

وأما إذا خللت بوضع شيء فيها : فمذهبنا أنها لا تطهر ، وبه قال أحمد والأكثرون.

وقال أبو حنيفة والأوزاعي والليث: تطهر .

وعن مالك ثلاث روايات : أصحها عنه : أن التخليل حرام ، فلو خللها طهرت، والثانية حرام ولا تطهر، والثالثة: حلال وتطهر " انتهى من "المجموع" (2/ 596).

وقال الشيح محمد المختار الشنقيطي في شرح زاد المستقنع: " وجمهرة أهل العلم: أن الخل إذا تحول بنفسه صار حلالاً طاهراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الصحيح: (نعم الإدام الخل)، والخل لا يمكن أن يصير خلاً إلا بعد أن يكون خمراً، وهذا المراد به: إذا تخلل بنفسه، والدليل على أنه يحل إذا تخلل بنفسه حديث أبي طلحة رضي الله عنه حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن خمر الأيتام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يريق الخمر، فلو كان يجوز تخليل الخمر لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقتها، فدل على أنه لا يجوز لمالك الخمر أن يخللها بنفسه، ولكن إن تخللت بنفسها فإنه يجوز وتكون طاهرةً حينئذٍ" انتهى.

ثانيا:

إذا صارت الخمر خلا بالمعالجة، فهل تطهر الخمر ويحل استعمال الخل بهذه المعالجة المحرمة؟

في ذلك خلاف، وأقرب الأقوال قولان:

الأول: أنها تطهر، ويحل الخل بذلك، إذا كان لا يسكر كثيره.

والثاني: أنها تطهر ويحل الخل إذا قام بالتخليل من يرى إباحة الخمر، فالخل المعالج من قبل أهل الكتاب مباح.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: فإن خللت، الضمير يعود إلى الخمرة، وتخليلها أن يضاف إليها ما يذهب شدتها المسكرة من نبيذ أو غيره، أو يصنع بها ما يذهب شدتها المسكرة.

والمشهور من المذهب: أنها إذا خللت لا تطهر، ولو زالت شدتها المسكرة ...

واستدلوا: بأن زوال الإسكار كان بفعل شيء محرم، فلم يترتب عليه أثره، إذ التخليل لا يجوز؛ بدليل ما رواه أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا؟ ـ أي: تحول خلا ـ قال: لا. ولأن التخليل عمل ليس عليه أمر الله، ولا رسوله، فيكون باطلا مردودا، فلا يترتب عليه أثر كما قال صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.

وقال بعض العلماء: إنها تطهر، وتحل بذلك، مع كون الفعل حراما.

وعللوا: أن علة النجاسة الإسكار، والإسكار قد زال، فتكون حلالا.

وقال آخرون: إن خللها من يعتقد حل الخمر كأهل الكتاب؛ اليهود والنصارى، حلت، وصارت طاهرة. وإن خللها من لا تحل له فهي حرام نجسة . وهو أقرب الأقوال.

وعلى هذا : يكون الخل الآتي من اليهود والنصارى حلالا طاهرا، لأنهم فعلوا ذلك على وجه يعتقدون حله، ولذا لا يُمنعون من شرب الخمر " انتهى من "الشرح الممتع" (1/ 432).

وعلى هذا فالخل الذي يصنعه النصاري في أوربا وغيرها من معالجة الخمر، يحل تناوله.

ثالثا:

الدين النصيحة، وعلى الناصح أن يكون رفيقا مراعيا أحوال المخاطبين، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه .

والعلم باب واسع، فربما علم الإنسان شيئا ، وغابت عنه أشياء .

ومسألة صناعة الخل من الخمر : مسألة قديمة معلومة ، ينص عامة الفقهاء على حكمها، فلا جديد في ذلك !!

وأهل العلم مختلفون فيها كما تقدم، فقد تجد من يفتي بإباحة هذا الخل مطلقا، ومن يفتي بتحريمه مطلقا، ومن يفصل فيبيح ما عمله الكتابي دون المسلم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب