الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

هل إجازة بيع التقسيط يلزم منه فتح باب الربا؟

277250

تاريخ النشر : 12-04-2023

المشاهدات : 3290

السؤال

لقد اختلف علماءنا حفظهم الله تعالى في هذا الحكم حول جواز أو تحريم البيع بالتقسيط مع الزيادة، وهذا يعتبر من أكبر القضايا التي نعاينها في حياتنا اليومية، بل وأصبحت تشكل أكبر عامل تجاري بالعالم أجمع، وخاصة المجتمع الإسلامي، وهذا ما أخذني بالنقد البناء، وليس الانتقاد حول الجواز البيع بالتقسيط مع الزيادة إلى أجل مسمى، وقد ذكر علماءنا حفظهم الله تعالى، وهو ماجاؤو به بالإجماع؛ لأنهم استدلو بتراض كلا الطرفين حول جواز البيع بستدلالهم بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29. وإذا أخذنا بتفسير الأحبة حفظهم الله تعالى حول جواز البيع بالتقسيط مع الزيادة، فماذا لو بدلت البنوك الأموال بالذهب والفضة وغيرها من الحلي على أنها تبيع بالتقسيط إلى أجل مسمى مع الزيادة، نفسها نفس المال تأخذ، وترد إلى أجل عن تراض بين الزبون والبائع البنك، مع العلم إن الربا نفسها ترضي البائع بزيادة الثمن، وترضي المشتري بتأجيل الدفع.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

سبق بيان جواز البيع بالتقسيط في الفتوى رقم: (13973)، والفتوى رقم: (13721).

وأهل العلم في استدلالهم -على جواز هذا نوع من البيوع- بقوله تعالى:

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء (29)؛ لا يعنون بذلك أن مجرد الرضا وحده يجعل المعاملة التجارية حلالا، حتى ولو كانت ربا؛  فالمعاملة إذا كانت ربا فهي من الباطل، وليست من التجارة المأذون بها، فلا يحللها مجرد التراضي.

قال ابن العربي رحمه الله تعالى:

"  التجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة...

فكل معاوضةٍ: تجارةٌ؛ على أي وجه كان العوض. إلا أن قوله ( بِالْبَاطِلِ )، أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا؛ من ربا، أو جهالة، أو تقدير عوض فاسد؛ كالخمر، والخنزير، ووجوه الربا" انتهى من "أحكام القرآن" (1/408).

فأهل العلم في استدلالهم بهذه الآية يرون أن بيع التقسيط الذي أفتوا بجوازه، لا يحتوي على ما يجعله معاملة باطلة.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"البيع بمئة مؤجلة أو خمسين حالة، وليس هنا ربا ولا جهالة ولا غرر ولا قمار ولا شيء من المفاسد؛ فإنه خيره بين أي الثمنين شاء" انتهى من "إعلام الموقعين" (5/42).

فهو إذا تجارة جائزة إذا وقعت بالتراضي من غير قهر وإلجاء وإجبار وترهيب.

ثانيا:

من الشروط التي يجب توفرها في بيع التقسيط أن يكون الثمن والبضاعة من الأشياء التي لا يجري بينها ربا النسيئة.

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) رواه مسلم (1587).

وفي رواية: ( ... وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا ) رواه أبو داود (3349) والنسائي (4563)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: " وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير مسلم بن يسار المكي وهو ثقة عابد" انتهى من "إرواء الغليل" (5/195).

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: (279825).

والنقود المعاصرة لها حكم الذهب والفضة، فلا يجوز أن تباع بالذهب أو الفضة إلا يدا بيد ولا يجوز فيها تأجيل الثمن أو البضاعة.

جاء في القرار السادس من الدورة الخامسة للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة:

" بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية، في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة.

وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل.

وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تقوم الأشياء في هذا العصر؛ لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية.

وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية =

لذلك كله؛ فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرر:

أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسيئةً ، كما يجرى ذلك في النقدين من الذهب والفضة تمامًا؛ باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسا عليهما. وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها " انتهى من "قرارات المجمع الفقهي الإسلامي" (ص 101 – 102).

وبهذا يتبيّن أن بيع التقسيط بشروطه الشرعية لا يفتح باب الربا.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب