الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

كيف أصبر على موت والدتي وكيف أبرها بعد موتها ؟ وهل يصل ثواب القرآن والذكر لها ؟

278957

تاريخ النشر : 18-04-2018

المشاهدات : 113775

السؤال

توفيت أمي في 29 من رمضان المنصرم في حادثة سير، حيث كانت في طريقها لقضاء عيد الفطر مع والدتها غير أنه سبق أجلها ، مند ذلك الحين لا أستطيع نسيانها ، ولا أنام اليل بسبب التفكير بها، وربما لو كنت معها لما حدت ما حدث ، وخلال رمضان زارت كل من تسنى لها أن تزور من إخوتها وأقاربها ، وأرادت أن تختمها بزيارة والدتها غير أن الموت هجم عليها، وأردت أن أسأل عن الآتي : هل في الأثر مايدل على أن الإنسان يسري الموت في جسده أربعين يوما قبل دنو أجله ؟ هل المتوفى في رمضان يدخل من باب الريان كما جاء في الأثر ؟ ما هي الأعمال التي يمكن أن أبر بها أمي رحمها اللّٰه في قبرها ؟ هل ثواب القرآن والذكر يصلها ؟ هل هناك حديث يقول : بأن الميت يطلعه اللّٰه عز وجل على أخبار ذويه السارة ؟ أمي كانت كل شيء ، وكنت أعيش لأجلها ولإسعادها ، وبعد موتها أصبحت الدنيا عندي بلا معنى ، فهل من شيء يخرجني مما أنا فيه ؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

لا نعلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو آثار السلف الصالح ما يدل على سريان الموت في الجسد قبل الموت بأربعين يومًا ، ولا نعلم لذلك دليلا ، أو أصلا شرعيا .

والمنصوص في محكم التنزيل أن الموت الممثل في حضور ملك الموت لا يقع إلا عند حضور الأجل . قال تعالى :

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف/34 .

وأما دخول المتوفى في رمضان من باب الريان : فالذي جاءت به السنة : أن الوعد المذكور في الحديث ، بالدخول من باب الريان : إنما هو للصائمين حقيقة ، وليس لمن نوى الصيام وعجز عنه .

والراجح أيضا : أن هذه الفضيلة ليست لكل صائم ، وإنما هي لمن غلب عليه الاشتغال بالصيام، حتى أكثر من صوم النافلة ، وليس مجرد صيام الفريضة .

وللتفصيل والتدليل على ذلك انظر الجواب رقم (231820)

وأما مجرد الموت في رمضان : فلا نعلم له فضيلة خاصة ، أو ثوابا أعد لمثل ذلك ؛ وما زال الناس يموتون في رمضان ، صالحهم ، وطالحهم ، وإنما يثاب المرء على ما قدم من عمل صالح ، وما تقرب به إلى ربه من الطاعات التي تقع منه باختياره ؛ وأما موت الإنسان وحياته : فذلك ليس بيده ، حتى يعلق به دخول الجنة ، أو دخول من باب الريان ، أو نحو ذلك .

ولمعرفة أفضل الأعمال التي من الممكن أن تبر بها أمك رحمها الله بعد موتها

انظر جواب السؤال رقم (131662) ورقم (232245).

ثانيًا :

أما وصول ثواب قراءة القرآن وثواب الذكر للأموات : فهذا وقع فيه نزاع بين العلماء ، والراجح أن قراءة القرآن وثواب الذكر لا يصل منه شيء للميت ولا ينتفع به ، لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا أحد من أصحابه .

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20996) ، (46698) .

وانظر جواب السؤال رقم (763) لمعرفة ما ينفع الميت من أعمال الحي .

ثالثًا :

أما اطلاع الأموات على شيء من أخبار أهليهم ، فقد ورد في الآثار ما يدل لذلك.

فقد أخرج النسائي (1 / 260) وابن حبان (733) والحاكم (1 / 352 و 353)

من طريق قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  

( إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك،  إلى روح الله وريحان ، ورب غير غضبان .

فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض!

فيأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه .

فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟

فيقولون : دعوه ، فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه

الهاوية.

وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة ، مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به

باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار ) .

قال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي والألباني كما في السلسلة الصحيحة رقم 1309

ويؤيده ما رواه ابن المبارك في الزهد (149 / 443) عن أبي أيوب الأنصاري قال :

( إذا قبضت نفس العبد ، تلقاه أهل الرحمة من عباد الله ، كما يلقون البشير في الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح، فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية. قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وقالوا: هذه

نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك  ) .

وهذا الأثر روي موقوفا على أبي أيوب الأنصاري ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم

قال العلامة الألباني في الصحيحة ( 6/605 ) : " إسناد الموقوف صحيح، وكونه موقوفا لا يضر، فإنه يتحدث عن أمور غيبية لا يمكن أن تقال بالرأي، فهو في حكم المرفوع يقينا ، لا سيما وقد روي مرفوعا" .  

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه : عن الأحياء ، إذا زاروا الأموات، هل يعلمون بزيارتهم؟ وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره؟ .

فأجاب:

" الحمد لله، نعم قد جاءت الآثار بتلاقيهم ، وتساؤلهم ، وعرض أعمال الأحياء على الأموات، كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري ... " - فذكر الأثر السابق - ثم قال :

" وأما علم الميت بالحي إذا زاره ، وسلم عليه ، ففي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا ، فيسلم عليه ، إلا عرفه ورد عليه السلام .

قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه عبد الحق صاحب الأحكام." . انتهى ، من "مجموع الفتاوى" ( 24/331 ) .

وننبه هنا إلى بطلان ما يسير على ألسنة بعض الناس ، من عود أرواح الأموات إلى بيوتهم ، وسراحهم فيها أربعين يوما . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (13183).

وأخيرا ..

فيما يتعلق بمصابكَ في أمك وحزنك الشديد على فراقها ، فقد قال الله تعالى :

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/155-157

فما أطيب هذه الكلمة ، وما أطيب وقعها في النفوس : إنا لله ، وإنا إليه راجعون !

إنا لله – جميعا - : خلقه ، ومُلكه ، وعبيده ؛ يدبرهم بأمره وحكمته ، كيف يشاء ، فعال لما يريد ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، سبحانه .

وإنا إليه – جميعا ، أيضا - : راجعون ، نلقاه ، ونلقى الأحبة عنده .

وإنما افتقارنا أن يتوفانا ، ويتوفى أحبابنا على عمل صالح ، نلقاه به ، ونلتقي بالأحبة في جنة الرضوان .

وقد قال تعالى :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور/21 .

فما هو إلا فراق مؤقت ، وما عليك بعده إلا أن تجتهد في العمل بطاعة الله ، ليُقبل دعاؤك لها في الدنيا أولا ، ولتجتمع بها في جنات النعيم إن شاء الله ثانيا .

وللتأمل في الصبر على المصائب وفضله انظر جواب السؤال رقم (35869) .

نسأل الله أن يرحم والدتك وأن يجمعك بها في الفردوس الأعلى بمنه وكرمه سبحانه.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب