الحمد لله.
أولا :
السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ، هِيَ: نَفِيسَةُ بِنْتُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْقُرَشِيَّةُ الْهَاشِمِيَّةُ، رحمها الله ، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" دَخَلَتِ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ مَعَ زَوْجِهَا الْمُؤْتَمَنِ، إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، فَأَقَامَتْ بِهَا، وَكَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَإِحْسَانٍ إِلَى النَّاسِ ، وَالْجَذْمَى وَالزَّمْنَى وَالْمَرْضَى ، وَعُمُومِ النَّاسِ، وَكَانَتْ عَابِدَةً زَاهِدَةً كَثِيرَةَ الْخَيْرِ .
وَلَمَّا وَرَدَ الشَّافِعِيُّ مِصْرَ أَحْسَنَتْ إِلَيْهِ، وَكَانَ رُبَّمَا صَلَّى بِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِينَ مَاتَ أَمَرَتْ بِجِنَازَتِهِ فَأُدْخِلَتْ إِلَيْهَا الْمَنْزِلَ، فَصَلَّتْ عَلَيْهِ .
وَلَمَّا تُوُفِّيَتْ عَزَمَ زَوْجُهَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَمَنَعَهُ أَهْلُ مِصْرَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَتْرُكَهَا عِنْدَهُمْ، فَدُفِنَتْ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ، بِمَحِلَّةٍ كَانَتْ تُعْرَفُ قَدِيمًا بِدَرْبِ السِّبَاعِ بَيْنَ مِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ الْيَوْمَ .
وَقَدْ بَادَتْ تِلْكَ الْمَحِلَّةُ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى قَبْرِهَا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - سَنَة ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ- فِيمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي " وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ "، قَالَ: "وَلِأَهْلِ مِصْرَ فِيهَا اعْتِقَادٌ" .
قُلْتُ: وَإِلَى الْآنِ، وَقَدْ بَالَغَ الْعَامَّةُ فِي أَمْرِهَا كَثِيرًا جِدًّا، وَيُطْلِقُونَ فِيهَا عِبَارَاتٍ بَشِعَةً فِيهَا مُجَازَفَةٌ تُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَأَلْفَاظًا كَثِيرَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعَرَّفُوا بِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهَا فِي مِثْلِ أَمْرِهَا، وَرُبَّمَا نَسَبَهَا بَعْضُهُمْ إِلَى زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَلَيْسَتْ مِنْ سُلَالَتِهِ .
وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِيهَا مِنَ الصَّلَاحِ مَا يَلِيقُ بِأَمْثَالِهَا مِنَ النِّسَاءِ الصَّالِحَات .
وَأَصْلُ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ : مِنَ الْمُغَالَاةِ فِي الْقُبُورِ وَأَصْحَابِهِا، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ وَطَمْسِهَا .
وَالْمُغَالَاةُ فِي الْبَشَرِ : حَرَامٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَفُكُّ مِنَ الْخَشَبِ، أَوْ أَنَّهَا تَنْفَعُ ، أَوْ تَضُرُّ : فَهُوَ مُشْرِكٌ .
رَحِمَهَا اللَّهُ وَأَكْرَمَهَا، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَنْزِلَهَا " انتهى من "البداية والنهاية" (14/ 170 -172) .
وقال الذهبي رحمه الله :
" وَلِي أَبُوْهَا المَدِيْنَةَ لِلْمَنْصُوْرِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَسَجَنَهُ مُدَّةً، فَلَمَّا وَلِي المَهْدِيّ، أَطْلَقَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْوَالَهُ، وَحَجَّ مَعَهُ، فَتُوُفِّيَ بِالْحَاجِرِ.
وَتَحَوَّلَتْ هِيَ مِنَ المَدِيْنَةِ إِلَى مِصْرَ مَعَ زَوْجِهَا الشَّرِيْفِ إِسْحَاقَ بنِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ - فِيْمَا قِيْلَ - ثُمَّ تُوُفِّيَتْ بِمِصْرَ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَمَائَتَيْنِ.
وَلَمْ يَبْلُغْنَا كَبِيْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهَا.
وَلِجَهَلَةِ المِصْرِيِّيْنَ فِيْهَا اعْتِقَادٌ يَتَجَاوَزُ الوَصْفَ، وَلاَ يَجُوْزُ، مِمَّا فِيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَيَسْجُدُوْنَ لَهَا، وَيَلْتَمِسُوْنَ مِنْهَا المَغْفِرَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دَسَائِسِ دُعَاةِ العُبَيْدِيَّةِ " انتهى من "سير أعلام النبلاء" (10/ 106)
ثانيا :
لا يُعرف على وجه التحديد لماذا تحولت إلى مصر وسكنتها ، والقول بأن اضطهاد بني أمية كان السبب وراء انتقالها وزوجها إلى مصر ، لا دليل عليه ، فالله أعلم بسبب حصول ذلك ، فهذا شأن خاص ، ولا حاجة بنا إلى التنقيب عن سببه ، الذي ربما لم يتمكن أحد من معرفته على التحقيق، والتمادي في البحث عن ذلك ربما أوقع في سوء الظن ببني أمية ، واتهامهم بالباطل .
والدولة الأموية كغيرها من الدول لها ما لها من فضائل ، وعليها ما عليها من المظالم ، لها من المآثر الحميدة بنشر الإسلام ، ونشر العلم والتشجيع عليه ، ما لا يخفى إلا على جهول .
وفيها أيضا من النقائص والمساوئ ، ما لا يخفى على منصف .
ومن أقبح ذلك : التجافي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآل بيته الكرام ، حتى ربما أظهر أمرائهم شتمهم والتنقص منهم ، وما جرى على أيديهم من سفك دماء المسلمين ، في سبيل تثبيت الحكم لدولتهم ، والاستئثار بحظوظ الدنيا ، وأموال الأمة .
وينظر السؤال رقم (172859)
ولكن هذا الظلم والعدوان لم يكن صفة سائدة لحكمهم وحكامهم ، بل كان يكون من بعض خلفائهم وولاتهم دون بعض ، وكم من والٍ أموي كان محبا لأهل البيت مقربا لهم
ويكفي لبيان في بطلان دعوى الاضطهاد هذه ، ما هو معروف من إكرامُ معاوية رضي الله عنه للحسن والحسين رضي الله عنهما:
أ- عن محمدِ بن عبدالله بن أبي يعقوب، قال: " كان معاوية رضي الله عنه إذا لقيَ الحسينَ ابنَ عليّ رضي الله عنهما، قال: مَرحباً بابنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأهلاً، ويأمرُ له بثلاثمائةِ ألف، ويلقى ابنَ الزبير رضي الله عنه فيقول: مرحباً بابن عَمَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وابن حواريه، ويأمر له بمائة ألف " .
ب - وعن جعفرِ بن محمد، عن أبيه : " أنَّ الحسنَ والحسينَ ب كانا يَقْبَلانِ جوائزَ معاوية رضي الله عنه "
ج- وعن ثور، عن أبيه، قال: " انطلقتُ مع الحسن والحسين رضي الله عنهما وافِدَين إلى معاوية رضي الله عنه فأجازهما؛ فقبلا "
د- وعن عبدِالله بن بُريدةَ، أن الحسنَ بن علي ب دخل على معاوية رضي الله عنه فقال: " لأُجيزَنَّك بجائزةٍ لم أجز بها أحداً قبلك، ولا أجيز بها أحداً بعدك من العرب، فأجازه بأربعمائة ألف، فقَبِلها ".
ينظر في تخريج هذه الروايات والآثار :
https://goo.gl/f8pfiu
قال ابن كثير رحمه الله :
" ومشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد، فأبى، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده، فرأيته مواظبا على الصلاة، متحريا للخير، يسأل عن الفقه، ملازما للسنة. قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع؟ ! أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم: قد أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف: 86] . ولست من أمركم في شيء." . انتهى ، من "البداية والنهاية" (11/653)
وانظر :
https://goo.gl/fE34QS
ثالثا:
يذكر بعض العوام والجهال من الناس من أن السيدة نفيسة حينما قدمت إلى مصر ونزلت في دار، كان بجوارها يهود، من جملتهم امرأة يهودية لها ابنة مقعدة لا تقدر على الحركة، وأنها تركتها يوما عند السيدة نفيسة ، فقامت السيدة نفيسة وتوضأت ، فجرى ماء وضوئها إلى هذه الجارية اليهودية، فمسحت به على رجليها فوقفت في حينها ، وقامت تمشي على قدميها ، وذهبت إلى أمها وقصت عليها خبرها ، وعلم جيرانها من اليهود بذلك ، فأسلموا أجمعون .
وهذه القصة لا نعلم لها أصلا ، ولوائح الوضع والبطلان عليها ظاهرة ، وقد كان من عادة بعض أهل الجهل من العوام والصوفية والشيعة ، اختلاق مثل هذه الأكاذيب وإشاعتها بين الناس ، لنشر الشرك والضلالة والبدعة ، فليحذر المسلم من هذه البواطيل، وليحتم بحمى التوحيد .
والله أعلم.
تعليق