السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

قالت لصديقتها إذا فعلت كذا، فأنت محرمة علي إلى يوم الدين، فما كفارة ذلك؟

290983

تاريخ النشر : 10-05-2023

المشاهدات : 1016

السؤال

ما كفارة أن أقول لصديقتي وقت خلاف بيننا أنك لو فعلتي هذا الفعل تكوني محرمة علي ليوم الدين؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

من حرّم على نفسه شيئاً، فهذا التحريم، له حكم اليمين على الراجح من قولي أهل العلم -خلافا للمالكية والشافعية- .

وقد جعل الله تحريم الحلال يمينا فقال سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة التحريم/1.

وفاعل ذلك مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ عن يمينه وأتى ما كان قد منع نفسه منه ؛ لأن الله عز وجل قال بعد آية التحريم : ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) .

فجعل الله تعالى تحريم الحلال يميناً وجعل له "تحلة" وهي الكفارة .

وقد ثبت عَنْ اِبْن مَسْعُود رضي الله عنه أَنَّهُ جِيءَ عِنْده بِطَعَامٍ فَتَنَحَّى رَجُل ، فَقَالَ : إِنِّي حَرَّمْته أَنْ لَا آكُلَهُ فَقَالَ : إِذَنْ فَكُلْ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينك , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين ) ينظر "فتح الباري" (19/57) .

وروى ابن أبي شيبة (5 /73-74) عَنْ عُمَرَ وابْنِ عَبَّاسٍ وعائشة وَعَنِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ ومَكْحُولٍ أنهم قالوا : " الْحَرَامُ يَمِينٌ " .

وروى البخاري (4911)، ومسلم (1473) عن ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْحَرَامِ : يُكَفَّرُ وَقَالَ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أِسْوَةٌ حَسَنَةٌ).

قال ابن قدامة :

"إذَا قَالَ: هَذَا حَرَامٌ عَلَيَّ إنْ فَعَلْت. وَفَعَلَ، أَوْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت؛ ثُمَّ فَعَلَ: فَهُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ.

وَإِنْ قَالَ: هَذَا الطَّعَامُ حَرَامٌ عَلَيَّ، فَهُوَ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ... وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ، فَلَغَا مَا قَصَدَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ رَبِيبَتِي .

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) التحريم/1، إلَى قَوْلِهِ (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم: 2 ؛ سَمَّى تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ يَمِينًا، وَفَرَضَ لَهُ تَحِلَّةً، وَهِيَ الْكَفَّارَةُ .

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْت أَنَا وَحَفْصَةُ، أَنَّ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ: إنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ. فَدَخَلَ عَلَى إحْدَانَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: (لَا، بَلْ شَرِبْت عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ) . فَنَزَلَ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)" انتهى من "المغني" (9/508).

وينظر جواب السؤال: (151867).

ثانياً:

يرجع في الأيمان إلى نية الحالف ، وفي الباعث له على الحلف ، وقول السائلة لصديقتها "إنك لو فعلتي هذا الفعل تكوني محرمة علي إلى يوم الدين" إذا لم يكن لها قصد خاص فإنه على ظاهره، يحمل على الامتناع عن الكلام والصلة مع صديقتها ، فكما أن من يحرم على نفسه طعاما، فإنه يقصد به الامتناع عن أكله، وكذلك من يحرم صديقه على نفسه، فإنه يقصد به الامتناع من كلامه ووصله، ومن يحرم بيت فلان، فإنه يقصد به الامتناع عن دخوله.

والخلاصة :

إذا كان الخير في كلام هذه المرأة، ولم يكن عليك في كلامها والتواصل معها مضرة عليك في دينك أو دنياك ، فينبغي أن تكلميها وتكفّري عن يمينك ؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ) . رواه البخاري ( 6343 ) ومسلم ( 1652 ) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ) . رواه مسلم ( 1650 ) .

وهذا .. إذا فعلت ما حلفت عليه ، وعدت إلى وصال صديقتك.

أما إذا لم تفعليه ، وبقيت على قطيعتها، فلا شيء عليك ؛ لكن يخشى عليك من إثم هجر المسلم، إذا لم يكن عندك عذر شرعي يسمح بذلك.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب