الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

كثير الشك لا يلتفت إلى شكه

السؤال

قرأت عبارة للشيخ محمد عليش في "منح الجليل": " ولا تشترط غلبة الظن في حق مستنكح الشك لعجزه عنها، ويكفيه الشك فيه" فهل ممكن أن توضحوا لي معناها ؟ وما مدى صحة العمل بها ؟

الجواب

الحمد لله.

قال الشيخ محمد عليش رحمه الله تعالى:

" واجبه – أي من واجبات الغسل – (دلك): أي إمرار عضو أو غيره على المغسول ...

ويكفي فيه: غلبة الظن، على الصواب؛ فإنها كافية في الإيصال الواجب بالإجماع، ولا تشترط غلبة الظن في حق مستنكح الشك، لعجزه عنها، فيكفيه الشك فيه، ويجب عليه اللهو عنه، ولا دواء له إلا هذا " انتهى من "منح الجليل" (1 / 127).

و"الاستنكاح" عند أهل الفقه، في مثل هذه المسائل: يريدون به معنى الغلبة والكثرة، فاستنكحه الشك، أي كثر عنده، وعاوده، وغلب عليه. وهذا التعبير اشتهر عند المالكية.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (4 / 128):

" وفي معجم "تاج العروس"، و "أساس البلاغة": ومن المجاز: استنكح النوم عينه: غلبها.

وفقهاء المالكية فقط هم الذين يعبرون بهذا اللفظ عن معنى الغلبة، مسايرين المعنى اللغوي، فيقولون: استنكحه الشك، أي اعتراه كثيرا.

وبقية الفقهاء يعبرون عن ذلك بغلبة الشك أو كثرته بحيث يصبح عادة له " انتهى.

وضابط كثرة الشك وغلبته، هو أن يلازمه يوميا فلا ينفك عنه.

قال الحطّاب في "مواهب الجليل" (1 / 466):

" المستنكح: هو الذي يشك في كل وضوء، أو صلاة، أو يطرأ له ذلك في اليوم مرة أو مرتين، وإن لم يطرأ له ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة: فليس بمستنكح " انتهى.

فالحاصل؛ أن معنى عبارة "منح الجليل"، هو: أنه يكفي لحصول الدلك : أن يغلب على ظنه أنه أمر يده على العضو المدلوك، فإن ذلك يكفي لإيصال المال إلى الوضوء .

وهذا في غير المستنكح.

وأما المستنكح؛ فلا يطالب بغلبة الظن، لحصول طهارته، بل يكفيه: مطلق الظن بحصول الطهارة، ولو لم يكن ظنا غالبا.

فكثرة الشك عذر له في ترك التحقق والتأكد؛ لأن أمره بالتأكد سيوقعه في حرج شديد، والشرع جاء باليسر وإزالة الحرج.

قال الله تعالى:  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ   البقرة/185.

وقال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة/6.

ولأن كثرة الشك علاجها عدم الالتفات إليها، فإذا التفت الموسوس إلى كل شك فسيزداد شكه وتستحكم فيه الوسوسة.

قال الدردير في "الشرح الصغير" (1/170): " (وَإِنْ شَكَّ غَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ فِي مَحَلٍّ غَسَلَهُ) : إذَا شَكَّ غَيْرُ الْمُسْتَنْكِحِ فِي مَحَلٍّ مِنْ بَدَنِهِ، هَلْ أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ ، وَدَلْكِهِ.

وَأَمَّا الْمُسْتَنْكِحُ - وَهُوَ الَّذِي يَعْتَرِيهِ الشَّكُّ كَثِيرًا - فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، إذْ تَتَبُّعُ الْوَسْوَاسِ يُفْسِدُ الدِّينَ مِنْ أَصْلِهِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ." .

قال الصاوي في حاشيته: "قَوْلُهُ: [وَإِنْ شَكَّ] إلَخْ: أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْمِيمِ الْجَسَدِ تَحْقِيقًا. وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِغَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ.

قَوْلُهُ: [وَجَبَ عَلَيْهِ] : أَيْ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ، أَوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ.".

وقال العدوي، في حق المستنكح، وما يلزمه:

"  يَكْفِيهِ مَا شَكَّ فِيهِ ، وَلَا حَاجَةَ لِظَنٍّ ، وَلَا غَلَبَتِهِ ، وَلَا يُعِيدُ غَسْلَهُ" انتهى من "كفاية الطالب الرباني" (1/216).

"وَالْمُسْتَنْكِحُ يُلْهَى عَنْ الشَّكِّ وُجُوبًا ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، بَلْ يَعْمَلُ عَلَى التَّرَدُّدِ وَيَكْفِيهِ. قَالَهُ شَيْخُنَا" انتهى من "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/135).

وقيل إن المستنكح يبني على الخاطر الذي يسبق إلى قلبه، ويتلهى عن الخاطر التالي.

جاء في "التوضيح، شرح مختصر ابن الحاجب" (1/163):

"وَأَمَّا الْمُسْتَنْكَحُ: فَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُ خَاطِرَيْهِ؛ اتفاقاً.

يُريد بالمستنكح: مَن كثرتْ منه الشكوكُ.

وما ذكره من اعتبارِ أولِ خاطريه : هو قولُ بعضِ القَرويين، وتابعه عليه بعضُ المتأخرين، قالوا: لأنه في الخاطرِ الأولِ سليمُ الذهنِ، وفيما بعده شبيهٌ بغير العقلاءِ.

ابن عبد السلام: وظاهرُ المدونةِ وغيرِها : السقوطُ ، من غيرِ نظرٍ إلى خاطرِه ألبتةَ، وهو الذي كان يُرجحه بعضُ مَن لقيناه ويقول به، ويَذكر أنه راجَعَ فيه بعضَ المشارقةِ، وكان يوجِّهه بأن المستنكحَ- ومن هذه صفته- لا يَنْضَبِطُ له الخاطرُ الأوَّلُ مما بَعْدَه، والوجودُ يَشْهَدُ لذلك." اهـ.

وينظر: "التاج والإكليل" (1/301)، "التاج والإكليل" (2/19).

ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم : (224134).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب