الأربعاء 4 محرّم 1446 - 10 يوليو 2024
العربية

قصرت في حقه فامتنع عن جماعها وقال: سنعيش معا كالإخوة فهل هذا ظهار ؟

297726

تاريخ النشر : 31-10-2019

المشاهدات : 2467

السؤال

قبل سنوات وبعد زواجي؛ كانت زوجتي كسولة ومقصرة في حقي كثيرا ، ودائما نائمة ، ولا تقوم بالتجمل لي ،أو تتعطر بل تنام وتنام ، ونصحتها كثيرا ، ومن الأمور أن قلت لها : إنني لن أطلقك ، ولكن سنعيش كالأخوة معا ؛ وذلك بعد غضبي منها ، ولجعلها تتغير ، وتكون زوجة قائمة بحق زوجها ، وقد كانت تعتذر ، وتعد بأنها ستكون أفضل ، وقد قلت لها : إننا سنعيش كالأخوة عدة مرات ، وهددتها بأنني لن أجامعها مرة أخرى ، فهل على شيء في ذلك؟ ارجو إجابتي عن ذلك ؛ ليرتاح ضميري ، خصوصا إنني مازلت أعيش مع زوجتي ، ولي منها الآن خمسة أطفال .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الواجب على كل من الزوجين أداء ما علي من الحقوق ومعاملة الآخر بالمعروف، كما قال تعالى:  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا  النساء/19 .

وقال:  وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ  البقرة/228.

وإذا عصت المرأة زوجها أو قصرت في حقه، كأن امتنعت عن فراشه، فهي ناشز، وعليه

أن يعظها، فإن تمادت هجرها في المضجع، كما أمر الله بقوله:  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا  النساء/34 .

قال في "منار السبيل" (2/ 224): "(ومن عصته: وعظها) أي: خوفها الله عز وجل، وذكر لها ما أوجب عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها بالمخالفة، من الإثم وسقوط النفقة والكسوة، وما يباح من هجرها وضربها، لقوله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ... .

(فإن أصرت، هجرها في المضجع ما شاء) ما دامت كذلك. قال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك. وقد هجر النبي، صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً متفق عليه. "وفي الكلام ثلاثة أيام فقط" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" متفق عليه.

"فإن أصرت ضربها ضرباً غير شديد" لحديث عمرو بن الأحوص مرفوعاً وفيه: " ... فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح" الحديث، رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه. قال ثعلب: غير مبرح، أي: غير شديد. وفي حديث: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها في آخر اليوم"...

(ويُمنع من ذلك إن كان مانعاً لحقها) حتى يوفيه، لأنه يكون ظالماً بطلبه حقه مع منعه حقها" انتهى.

فالهجر في المضجع لا حدّ له، بل إلى أن تستقيم المرأة. وأما الهجر في الكلام فلا يزيد على ثلاثة أيام.

فإذا كنت قائما بحقوقها، وهي مستمرة في التقصير: فلا حرج أن تترك مضاجعتها وجماعها.

ولا حرج عليك أن تفهمها أن ذلك تأديب لها إلى أن تعود إلى رشدها وتؤدي ما عليها من حقوق.

وإذا كنت مقصرا في حقها، فإنك تمنع من هذا التأديب حتى توفيها حقها.

ثانيا:

إذا أردت بقولك: سنعيش معا كالإخوة، أنك ستمتنع عن جماعها، من غير تحريم، من غير قصد "إنشاء" تحريمها، أو الظهار منها ؛ فالأمر كما قدمنا، وهو مجرد إخبار بما تريده من هجرها، وتأديبها بامتناعك عن حقها، إلى أن تؤدي حقك.

وإذا أردت أنها محرمة عليك، كما تحرم عليك أختك، فهذا ظهار، ولا يحل لك وطؤها حتى تكفر كفارة الظهار.

سئل شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(34/5) عن رَجُلٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ : أَنْت عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي , وَأُخْتِي ؟

فَأَجَابَ : "إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي وَأُخْتِي فِي الْكَرَامَةِ: فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ .

وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ: يُشَبِّهُهَا بِأُمِّهِ وَأُخْتِهِ فِي " بَابِ النِّكَاحِ " : فَهَذَا ظِهَارٌ، عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ؛ فَإِذَا أَمْسَكَهَا: فَلا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ" اهـ .

وقال أيضاً (34/7): "وَإِنْ أَرَادَ بِهَا عِنْدِي مِثْلُ أُمِّي . أَيْ فِي الامْتِنَاعِ عَنْ وَطْئِهَا، وَالاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ مِنْ الأُمِّ، فَهِيَ مِثْلُ أُمِّي الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلا لِلاسْتِمْتَاعِ بِهَا : فَهَذَا مُظَاهِرٌ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ ، فَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ ، فَيعْتِقَ رَقَبَةً ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" اهـ .

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/274): "إذا قال الزوج لزوجته : أنا أخوك أو أنت أختي ، أو أنت أمي أو كأمي ، أو أنت مني كأمي أو كأختي، فإن أراد بذلك أنها مثل ما ذكر في الكرامة أو الصلة والبر أو الاحترام، أو لم يكن له نية ولم يكن هناك قرائن تدل على إرادة الظهار: فليس ما حصل منه ظهارا ، ولا يلزمه شيء .

وإن أراد بهذه الكلمات ونحوها ، الظهار ، أو قامت قرينة تدل على الظهار ، مثل صدور هذه الكلمات عن غضب عليها أو تهديد لها : فهي ظهار ، وهو محرم ، وتلزمه التوبة ، وتجب عليه الكفارة قبل أن يمسها ، وهي : عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا " انتهى.

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (183870) ، ورقم : (162577) .

ثالثا:

إذا لم ينفع مع الزوجة الوعظ والهجر والضرب، فالسبيل اختيار حكمين ينظران في أمر الزوجين، ويقرران ما يريانه من الإصلاح أو التفريق، كما قال تعالى:  وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا  النساء/35.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره ص 177: "أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين، والمباعدة والمجانبة، حتى يكون كل منهما في شق: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ، أي: رجلين مكلفين ، مسلمين عدلين عاقلين ، يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق.

وهذا مستفاد من لفظ "الحَكم" ؛ لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات.

فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه.

فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما، وإصلاحهما، إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما.

ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين، والحكم: يحكم ، ولو لم يرض المحكوم عليه، ولهذا قال: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ، أي: بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين" انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب