الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

هل يجوز الـتأمين على دعاء النصراني؟

324457

تاريخ النشر : 22-03-2020

المشاهدات : 16531

السؤال

أنا بنت، وعمري تقريبا 14 سنة، باجتهاد شخصي مني منذ سنتين أتعلم مقارنة الأديان بين الاسلام والنصرانية والرد على الشبهات، وإن شاء الله تعالى أكون داعية مستقبلا، ودائما ما أقيم مناظرات وحوارات مع النصارى، فيدعون لي مثلا: الرب يباركك، الرب يلمس قلبك، الرب يفتح بصيرتك، الرب ينور قلبك ...إلخ فهل يجوز أن أقول آمين بعد دعائهم لي ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قول المستمع للدعاء "آمين"، معناه: اللهم استجب.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" التأمين هو قول الإنسان: "آمين"، عند دعائه أو دعاء غيره إذا سمعه، ومعنى آمين عند العلماء: اللهم استجب لنا دعاءنا  " انتهى من "التمهيد" (7 / 9).

فإذا تحقق السامع من قولهم في الدعاء، وأنهم إنما يدعون له بخير، ولا يدعون له بما يخالف أمرا في ديننا ، ولا ما فيه إقرار لهم على دينهم الكفري؛ فلا حرج عليه في أن يؤمن على دعاء الكافر له، ودعاء الكافر في دار الدنيا، ربما استجيب له، رزقا من الله ، كسائر رزق الدنيا، أو استدراجا من الله تعالى لهم .

وقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (16 / 361) قال: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: " لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَمِّنَ الْمُسْلِمُ عَلَى دُعَاءِ الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ".

وجاء في "تحفة المحتاج" (3 / 75) للهيتمي رحمه الله تعالى:

" رأيت الأذرعي قال: إطلاقه -تحريم التأمين- بعيد.

والوجه: جواز التأمين ، بل ندبه ؛ إذا دعا لنفسه بالهداية ، ولنا بالنصر مثلا.

ومنعه: إذا جُهل ما يدعو به؛ لأنه قد يدعو بإثم، أي: بل هو الظاهر من حاله " انتهى.

ولا يظهر لنا في الأدعية المذكورة ما يمنع منه ، إلا أن في دعاء : ( الرب يلمس قلبك ) شيئا، وإن كان للمجاز فيه وجه قريب قوي، والمعنى : أن تصيب قلب المدعو له : رحمة من رحمة رب العالمين، وهداية منه ، ونحو ذلك .

وقد سئل د. محمد بن سليمان المنيعي، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى، وفقه الله:

"هل يجوز التامين على دعاء الكافر؟" .

فأجاب:

" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

إن كان دعاء الكافر لك بخير، فإنه يشرع التأمين والحالة هذه، لأن التأمين دعاء باستجابة الدعاء. وإن كان بغير ذلك، فقل "وعليكم"، لحديث عائشة لما قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم "السام عليك" . فقالت "عليكم السام واللعنة" . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "مهلا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقالت: يا نبي الله أو لم تسمع ما يقولون؟ قال: أو لم تسمعي أني أرد ذلك عليهم، فأقول وعليكم، وفي رواية "فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيَّ". رواه الشيخان". انتهى.

https://bit.ly/2WvKvF3

وينظر أيضا للفائدة :

https://www.alukah.net/web/hogail/0/57502/

ثانيا:

الدعوة إلى دين الله تعالى من الأعمال العظيمة الشريفة؛ لكن يشترط لها أن تكون على علم؛ ولذا يشترط العلم قبل العمل حتى يكون العمل صوابا.

قال الله تعالى:( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف/108.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ومن اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه إنما يدعو إلى الله ورسوله ... كما قال تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) فمن اتبع الرسول دعا إلى الله على بصيرة أي على بينة وعلم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (27 / 427).

وحتى تتم دعوة النصارى إلى الحق على بصيرة، لا يكفي للداعي أن يطلع على الشبهات وردودها، فلا بد قبل هذا أن يتعلم الداعي دينه وعقيدته، وكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على نهج صحيح سليم، يقي به نفسه بإذن الله تعالى من شبهات أهل الكفر وشياطينهم الذين يمدونهم في الغي؛ لأن الشبهات خطافة والقلوب ضعيفة، فإن لم يكن راسخا في العلم فقد يتأثر، وقد يمر عليه الباطل ولا ينتبه له.

وخاصة في هذا العمر الذي ذكر في السؤال فهو سن مناسب للتبحر في حفظ العلم، لا للجدال؛ فلا يتركه صاحبه يمضي سدى، بل يستغله في طلب العلم على أصول راسخة؛ فإذا رسخ علمه تصدى إلى مجادلة أهل الكفر بالتي هي أحسن، ولا يستعجل الشيء قبل وقته.

وليس من العقل، ولا من الشرع ، ولا من الحكمة وحسن الرأي في شيء ، لفتاة في مقتبل عمرها، أن تدخل في مثل هذا الباب، باب الحوار مع النصارى، والنظر في شبهاتهم، ومجادلتهم، فإن هذا باب خطر عظيم عليك ، وعلى من مثلك ، بل وظيفتك الآن: أن تربي نفسك على أمر الله ودينه، وترسخي أصولك العملية والعملية، فتجتهدين في حفظ كتاب الله ، وتفهم معانيه، ثم تنتقلين إلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتحفظين منها ما أمكنك، على ما يرتبه أهل العلم في هذا الباب، وتتفقهين في دينك، وتجتهدين في طلب معاني كلام الله، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تتوسعين في دراسة أصول العقيدة الإسلامية، حتى إذا كبرت سنك، واشتد عودك، واستقام أمرك، وفتح الله عليك من أبواب العلم النافع ما يقدره لك ، نظرت في هذا الميدان، فإن كنت قد تأهلت له، وحصلت له عدته، وسلاحه، فلا حرج عليك في خوض غماره، والدعوة إلى الله من خلاله؛ على أن تكون دعوتك في بني جنسك من النساء، ولا تفتحي على نفسك أبوابا من الفتن، والشبهات، قد كنت في غنى عنها؛ والسلامة لا يعدلها شيء، فاطلبيها، وصوني نفسك، واحفظي دينك، يا أمة الله.

فيحسن الاطلاع على الأجوبة رقم :(20191)، (10324)، (230969).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب