الحمد لله.
عن أَبي مُعَاوِيَةَ، ووَكِيعٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ ".
فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: " كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ ".
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: " أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ " رواه مسلم (705).
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" ( من غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ ) فإنه يشعر أن الجمع للمطر كان معروفاً في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، ولو لم يكن كذلك ، لما كان ثمة فائدة من نفى المطر كسبب مبرر للجمع، فتأمل " انتهى من "إرواء الغليل" (3 / 40).
ومضى عليه عمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" وروي عن عبد الله بن عمر، وأبان بن عثمان، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وعمر بن عبد العزيز: أنهم كانوا يجمعون بين الصلاتين ليلة المطر...
وهو أمر مشهور بالمدينة معمول به فيها، وبه قال أحمد وإسحاق " انتهى من "الاستذكار" (6 / 31).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24 / 83).
وحديث ابن عباس رضي الله عنه قد حدد ضابط الأعذار المبيحة للجمع وهي أنها وضعت لرفع الحرج والمشقة غير المعتادة في عبادة صلاة الجماعة، وهذا في قوله رضي الله عنه: " أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ ".
ومن المقطوع به أن الحرج والمشقة في الخروج أثناء المطر إنما يكون في المطر الغزير.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه "زاد المستقنع":
" ... والراجح أنه – الجمع - جائز لهذه الأسباب وغيرها بين الظهرين والعشاءين عند وجود المشقة بترك الجمع، كما يفيده حديث ابن عباس رضي الله عنه...
القول الصحيح في هذه المسألة: أنه يجوز الجمع بين الظهرين لهذه الأعذار، كما يجوز الجمع بين العشاءين، والعلة هي المشقة، فإذا وجدت المشقة في ليل أو نهار جاز الجمع.
فأسباب الجمع هي: السفر، والمرض، والمطر، والوحل، والريح الشديدة الباردة، ولكن لا تنحصر في هذه الأسباب الخمسة، بل هذه الخمسة التي ذكرها المؤلف كالتمثيل لقاعدة عامة وهي: المشقة " انتهى من "الشرح الممتع" (4 / 392 - 393).
وأما المطر الخفيف: فمن المتعارف عليه بين الناس أنه لا مشقة في الخروج أثناء نزوله؛ بل كثير من الناس يستروح إليه ، ويخرج للتنزه والتجول أثناء نزوله؛ ومادام لا مشقة فيه، فلا يعتبر سببا لرخصة الجمع.
ونفس الحال بالنسبة للبرد؛ فإن كان شديدا يشق على الناس تكرار الخروج فيه -وهذا عادة يكون مصحوبا بالريح الشديدة- جاز الجمع لعلة المشقة، وأما إن كان بردا معتاد الحدوث ، يتحمله الناس عادة ، ويخرجون فيه حتى من غير ضرورة ولا حاجة ماسة، فمثل هذا لا مشقة فيه ، فلا يبيح الجمع.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب، وتلحق المشقة بالخروج فيه.
وأما الطلّ، والمطر الخفيف الذي لا يبل الثياب، فلا يبيح، والثلج كالمطر في ذلك، لأنه في معناه، وكذلك البرد " انتهى من "المغني" (3 / 133).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الجمع له سبب: وهو المشقة أو مظنة المشقة: المشقة كما ذكرنا في المطر.
ومن ذلك أن تكون الليلة باردة ذات ريح تؤلم الناس، فيجوز الجمع؛ لدعاء الحاجة إليه، ولأن المشقة في الوصول إلى المسجد في مثل هذه الحال أعظم من المشقة في الوصول إلى المسجد بالمطر " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (170 / 5 ترقيم الشاملة).
وأما الضباب لوحده فلا مشقة في الخروج فيه، كما هو معلوم.
سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" نحن في منطقة باردة ويكثر فيها الضباب والبرد، وخاصة في فصل الشتاء، والسؤال: هل يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء في مثل هذه الحال أم أنه لا يجوز الجمع إلا في حال المطر؟
فأجابت: يجوز الجمع بين المغرب والعشاء إذا كان هناك مطر نازل يبل الثياب ، أو وحل يصعب على المصلين الوصول معه إلى المسجد؛ دفعا للحرج عن المصلين، وأما الضباب فليس عذرا في إباحة الجمع.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز آل الشيخ ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (7 / 25 - 26).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (146853)، ورقم : (216525) ورقم : (147381) .
والله أعلم.
تعليق