الحمد لله.
جاءت النصوص الشرعية بالأمر بتعظيم كتاب الله، وجعله في المنزلة اللائقة به، ومن ذلك قوله تعالى: ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيُّ حَكِيمٌ ) [الزخرف: 4].
قال ابن كثير في معنى الآية: "بيَّن شرَفَه في الملأ الأعلَى، ليشرِّفَه ويُعظِّمَه، ويطيعَه أهلُ الأرضِ" "تفسير ابن كثير" (7/ 200).
قال النوويّ رحمه الله: "أجمع المسلِمون على وجوبِ تعظيمِ القرآنِ العزيزِ على الإطلاقِ، وتنزِيهِه وصِيانتِه" انتهى من" التبيان في آداب حملة القرآن" (ص164).
وقد شددت السنة في هذه الأمر حيث ورد النهي عن السفر بالقرآنِ إلى أرضِ العدوّ، فعن عبد الله بن عمر قالَ: نهى رسول الله أن يُسافرَ بالقرآنِ إلى أرضِ العدوّ)
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُسافروا بالقرآن فإني لا آمَن أن يَنالَه العدو) مسلم (1869).
قال النوويّ رحمه الله: "النهيُ عن المسَافرةِ بالمصحَفِ مخافةَ أن يَنالَه العدوّ فينتهِكوا حرمتَه، فإذا أُمنَت العِلّة فلا كراهةَ ولا مَنعَ منه" "شرح النووي على مسلم" (13/ 13).
ومن تعظيم القرآن وتشريفه، ألا يُتخذ سبيلا إلى مكاسب الدنيا، فيكون القرآن رأس مال صاحبه، وجل بضاعته، وحرفته في التوصل إلى مكاسب الناس وأموالهم.
قال ميمون بن مهران: لا تتخذوا القرآن بضاعة، تلتمسون به الشِّف في الدنيا، -يعني الربح- والتمسوا الدنيا بالدنيا، والآخرة بالآخرة". تهذيب الكمال (29/ 219).
ومن هذه النصوص العظيمة نعلم أنّ من تمام تعظيم القران عدم استخدامه للترويج التجاري، وجعله في المنزلة التي جعله الله بها.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "كتابة شيء من القرآن أو الأحاديث النبوية، أو أسماء الله الحسنى على ألواح وأطباق أو نحوها؛ لتعلق للزينة أو التذكير أو الاعتبار، أو لتتخذ وسيلة لترويج التجارة، ونفاق البضاعة، وإغراء الناس بذلك ليُقبلوا على شرائها، وليكون نماء المال وزيادة الأرباح؛ عدول بالقرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المقاصد النبيلة التي يهدف إليها الإسلام من وراء ذلك، ومخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة وأئمة .."، انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة/1" (4/ 58).
قال أبو الوفاء ابْن عقيل، رحمه الله :
"كان أَبُو اسحق الخراز صالحا، وَهُوَ أول من لقنني كتاب اللَّه ، وكان من عادته الإمساك عَنْ الكلام فِي شهر رمضان ، فكان يخاطب بآي القرآن فيما يعرض إليه من الحوائج ، فيقول فِي إذنه: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ويقول لابنه فِي عشية الصوم: مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا آمرا لَهُ أن يشتري البقل !!
فقلت لَهُ: هَذَا الذي تعتقده عبادة ؛ هو معصية !!
فصعب عَلَيْهِ .
فقلت: إن هَذَا القرآن الْعَزِيز أنزل فِي بيان أحكام شرعية ، فلا يستعمل فِي أغراض دنيوية ، وما هَذَا إلا بمثابة صرك السدر والأشنان فِي ورق المصحف ، أَوْ توسدك لَهُ ، فهجرني ولم يصغ إِلَى الحجة ".انتهى، نقله ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (141).
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام ؛ لأنه استعمال له في غير ما هو له، فأشبه استعمال المصحف في التوسد ونحوه .
وقد جاء: لا تناظروا بكتاب الله . قيل: معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه ، كأن ترى رجلا قد جاء في وقته، فتقول: ثم جئت على قدر يا موسى. أو نحوه. ذكر أبو عبيد نحو هذا المعنى." انتهى من "المغني" (3/77).
وينظر للفائدة: ما سبق في جواب السؤال رقم (291808) ورقم (150303)
ومما سبق تعلم أنه ينبغي تجنيب آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون وسيلة للترويج التجاري؛ وذلك صونا لكتاب الله وسنة رسوله عن الامتهان والابتذال، واتخاذهما سبيلا للمآكل، وطلب عرض الدنيا بعظيم!!
هذا، فضلا عما قد يعتري هذا الترويج من بعض المبالغات والغش أحيانا والإغراء بالسلع وتزيينها للناس على غير حقيقتها؛ وهو ما يجب تنزيه القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
والله أعلم
تعليق