الحمد لله.
هذا الخبر رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (23 / 117)، وفي "المعجم الأوسط" (6 / 270 - 271)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
" دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ مِسْطَحٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى حُشٍّ لِحَاجَةٍ فَوَطِئَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ عَلَى عَظْمٍ أَوْ شَوْكَةٍ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، قُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتِ، تَسُبِّينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّكِ مِنَ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، أَتَدْرِينَ مَا قَدْ طَارَ عَلَيْكِ؟ فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ! قَالَتْ: مَتَى عَهْدُكِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ يَصْنَعُ فِي أَزْوَاجِهِ مَا أَحَبَّ، يَبْدَأُ مَنْ أَحَبَّ، وَيُرْجِي مَنْ أَحَبَّ مِنْهُنَّ. قَالَتْ: فَإِنَّهُ طِيرَ عَلَيْكِ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَرْتُ مَغْشِيَّةً عَلَيَّ، فَبَلَغَ أُمُّ رُومَانَ أُمِّي، فَلَمَّا بَلَغَهَا أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ بَلَغَهَا الْأَمْرَ أَتَتْنِي، فَحَمَلَتْنِي، فَذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِهَا.
فَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ بَلَغَهَا الْأَمْرُ، فَجَاءَ إِلَيْهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، وَجَلَسَ عِنْدَهَا، وَقَالَ: يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَسَّعَ التَّوْبَة .
فَازْدَدْتُ شَرًّا إِلَى مَا بِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا تَنْتَظِرُ بِهَذِهِ الَّتِي خَانَتْكَ وَفَضَحَتْنِي؟!... ".
وقال الطبراني عقبه: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مِقْسَمٍ إِلَّا خُصَيْفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ".
و خُصَيْفٌ هو ابن عبد الرحمن، تكلّم أهل العلم في حفظه.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، وفيه خصيف، وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون. وبقية رجاله رجال الصحيح " انتهى من "مجمع الزوائد" (9 / 230).
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" خصيف بن عبد الرحمن الجزري أبو عون...
صدوق سيِّء الحفظ، ضعَّفه أحمد " انتهى من "الكاشف" (1 / 373).
ولخص حاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، بقوله:
" خُصَيف ابن عبد الرحمن الجزري، أبو عون: صدوق سيئ الحفظ، خلط بأخرة " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 193).
ورأى أهل العلم أن في أحاديث عتاب بن بشير عن خصيف أحاديث منكرة مردودة.
قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى:
" سألت أبي: أيما أحب إليك في خصيف عتاب بن بشير؟ أو مروان بن شجاع؟
فقال: عتاب بن بشير: أحاديثه أحاديث مناكير " انتهى من "العلل" (1 / 246 - 247).
ومن ضمن هذه المنكرات زيادات في هذا الحديث؛ حديث "قصة الإفك".
قال ابن عدي رحمه الله تعالى:
" وعتاب بن بشير هذا روى عن خصيف نسخة، وفي تلك النسخة أحاديث ومتون أنكرت عليه، فمنها روى عن خصيف، عن مقسم، عن عائشة حديث الإفك، وزاد فيه ألفاظا لم يقلها إلا عتاب عن خصيف " انتهى من "الكامل" (8 / 552 - 553).
ومما يدل على نكارة هذه الجملة: " إِذْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا تَنْتَظِرُ بِهَذِهِ الَّتِي خَانَتْكَ وَفَضَحَتْنِي؟! ".
أن المحفوظ من رواية الثقات لقصة الإفك، هو أن أبابكر رضي الله عنه كان رحيما بابنته، مغتما لحالها، وأنه في هذا المقام لم يقل شيئا بل صمت.
فروى البخاري (2661) و (4750) و (4141) و مسلم (2770) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
" ... وَبَكَيْتُ يَوْمِي لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي، وَأَنَا أَبْكِي، إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ .
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ".
فلو كان أبوها أبو بكر رضي الله عنه قد اتهمها، لما طلبت منه أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قولها: ( وَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
قيل: إنما قالت عائشة لأبيها ذلك ، مع أن السؤال إنما وقع عما في باطن الأمر ، وهو لا اطلاع له على ذلك؛ لكن قالته إشارة إلى أنها لم يقع منها شيء في الباطن يخالف الظاهر الذي هو يطلع عليه، فكأنها قالت له: برئني بما شئت وأنت على ثقة من الصدق فيما تقول.
وإنما أجابها أبو بكر بقوله: ( لا أدري )؛ لأنه كان كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجاب بما يطابق السؤال في المعنى، ولأنه وإن كان يتحقق براءتها، لكنه كره أن يزكي ولده، وكذا الجواب عن قول أمها: لا أدري " انتهى من "فتح الباري" (8 / 457).
بل كان أبو بكر رضي الله عنه تفيض عينه رحمة وشفقة عليها، كما عند البخاري (4757) من حديث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
" ... فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِي الغُلاَمَ فَدَخَلْتُ الدَّارَ، فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ، وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ، فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا حَسَدْنَهَا، وَقِيلَ فِيهَا: وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي، وَهُوَ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّةُ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ... " .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (273142) .
والله أعلم.
تعليق