الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل كانت الرهبانية مشروعة عند النصارى؟

334328

تاريخ النشر : 04-01-2023

المشاهدات : 10487

السؤال

هل الله سبحانه وتعالى لم يكتب الرهبانية على من هم قبلنا من الأقوام كبني إسرائيل؛ وذلك لأنني أرى من المناظرين من يحاججونهم برهبانيتهم في كتبهم، وأنا أخاف أن يكون الله تعالى فعلاً كتبها على الأقوام السابقه، ويكونون قد كذبوها، والمفروض أنا لانكذب ولا نصدق طالما لم يذكر ما ينفيها في القرآن؟ وهل كانت مريم العذراء راهبة؟ فهي على حد علمي كانت معتزلةً، وحياتها للعبادة.

الحمد لله.

أولًا :

معنى قول الله: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم...

قال تعالى: ولَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ الحديد/26-27.

قال ابن جزي الكلبي: " الرهبانية هي الانفراد في الجبال، والانقطاع عن الناس في الصوامع، ورفض النساء وترك الدنيا، ومعنى (ابتدعوها) أي أحدثوها من غير أن يشرعها الله لهم" انتهى من "التفسير"(2/349).

وقال "ابن كثير": "وقوله: ورهبانية ابتدعوها أي: ابتدعتها أمة النصارى .

ما كتبناها عليهم أي: ما شرعناها لهم، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم.

وقوله: إلا ابتغاء رضوان الله فيه قولان، أحدهما: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة. والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك، إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله.

وقوله: فما رعوها حق رعايتها أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام.

وهذا ذم لهم من وجهين، أحدهما: في الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله.

والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله، عز وجل"انتهى من "تفسير ابن كثير"(8/29).

وانظر لمزيد من الفائدة: " "جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور" (1/463).

ثانيًا:

هل الرهبانية مشروعة عند النصارى؟

وقد فصَّل "شيخ الإسلام ابن تيمية" الردَّ على النصارى في احتجاجهم بآية سورة الحديد على مدح الرهبانية، فقال:

"وأما قوله - تعالى -:( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد/25-26 ، فهو حق كما قال - تعالى -، وليس في ذلك مدح للرهبانية ولا لمن بدل دين المسيح ؛ وإنما فيه مدح لمن اتبعه ، بما جعل الله في قلوبهم من الرحمة والرأفة ، حيث يقول: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة [الحديد: 27] .

ثم قال: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم [الحديد: 27] ؛ أي وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم . وهذه الرهبانية لم يشرعها الله ، ولم يجعلها مشروعة لهم ؛ بل نفى جعله عنها ، كما نفى ذلك عما ابتدعه المشركون بقوله: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام [المائدة: 103] .

وهذا الجعل المنفي عن البدع ، هو الجعل الذي أثبته للمشروع بقوله - تعالى -: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [المائدة: 48] وقوله: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه [الحج: 67] فالرهبانية ابتدعوها لم يشرعها الله .

وللناس في قوله: " ورهبانية " قولان.

أحدهما: أنها منصوبة .. ، إما بفعل مضمر يفسره ما بعده . أو يقال هذا الفعل عمل في المضمر والمظهر، كما هو قول الكوفيين . حكاه عنهم ابن جرير وثعلب وغيرهما . ونظيره قوله: يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان: 31] وقوله: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة [الأعراف: 30] .

وعلى هذا القول : فلا تكون الرهبانية معطوفة على الرأفة والرحمة.

والقول الثاني: أنها معطوفة عليها ، فيكون الله قد جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والرهبانية المبتدعة ، ويكون هذا جعلًا خلقيا كونيا . والجعل الكوني يتناول الخير والشر كقوله - تعالى -: وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار [القصص: 41] . وعلى هذا القول : فلا مدح للرهبانية بجعلها في القلوب .

فثبت على التقديرين أنه ليس في القرآن مدح للرهبانية.

ثم قال: إلا ابتغاء رضوان الله [الحديد: 27] أي لم يكتب عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، وابتغاء رضوان الله بفعل ما أمر به ، لا بما يبتدع . وهذا يسمى استثناء منقطعا.

.. ولا يجوز أن يكون المعنى أن الله كتبها عليهم ابتغاء رضوان الله، فإن الله لا يفعل شيئًا ابتغاء رضوان نفسه .

ولا أن المعنى أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوانه كما يظن هذا وهذا بعض الغالطين، كما قد بسط في موضع آخر. وذُكر أنهم ابتدعوا الرهبانية، وما رعوها حق رعايتها وليس في ذلك مدح لهم ، بل هو ذم ...

فإن قيل قد قال بعض الناس إن قوله - تعالى -: " ورهبانية ابتدعوها [الحديد: 27] " عطف على " رأفة " " ورحمة " ، وإن المعنى أن الله جعل في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، ورهبانية أيضا ابتدعوها. وجعلوا الجعل : شرعيًا ممدوحا؟

قيل : هذا غلط لوجوه.

منها: أن الرهبانية لم تكن في كل من اتبعه، بل الذين صحبوه كالحواريين لم يكن فيهم راهب، وإنما ابتُدعت الرهبانية بعد ذلك، بخلاف الرأفة والرحمة، فإنها جعلت في قلب كل من اتبعه.

ومنها : أنه أخبر أنهم ابتدعوا الرهبانية، بخلاف الرأفة والرحمة، فإنهم لم يبتدعوها، وإذا كانوا ابتدعوها، لم يكن قد شرعها لهم.

فإن كان المراد هو الجعل الشرعي الديني، لا الجعل الكوني القدري؛ فلم تدخل الرهبانية في ذلك.

وإن كان المراد الجعل الخلقي الكوني؛ فلا مدح للرهبانية في ذلك.

ومنها: أن الرأفة والرحمة جعلها في القلوب والرهبانية لا تختص بالقلوب؛ بل الرهبانية ترك المباحات من النكاح واللحم وغير ذلك، وقد كان طائفة من الصحابة - رضوان الله عليهم - هموا بالرهبانية، فأنزل الله تعالى نهيهم عن ذلك بقوله - تعالى -: ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [المائدة: 87].

وثبت في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أحدهم: أما أنا فأصوم لا أفطر وقال آخر: أما أنا فأقوم لا أنام وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء وقال آخر: أما أنا فلا آكل اللحم. فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيبا فقال: ما بال رجال يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني .

وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا قائما في الشمس فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم . فقال: مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه.

.. وقد بينت النصوص الصحيحة : أن الرهبانية بدعة وضلالة ، وما كان بدعة وضلالة لم يكن هدى ، ولم يكن الله جعلها بمعنى أنه شرعها ، كما لم يجعل الله ما شرعه المشركون من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام.

فإن قيل قد قال: طائفة معناها ... ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله.

وقالت طائفة: ما فعلوها ، أو ما ابتدعوها ، إلا ابتغاء رضوان الله.

قيل: كلا القولين خطأ، والأول أظهر خطأ، فإن الرهبانية لم يكتبها الله عليهم؛ بل لم يشرعها لا إيجابا ولا استحبابا.

ولكن ذهبت طائفة إلى أنهم لما ابتدعوها، كتب عليهم إتمامها؛ وليس في الآية ما يدل على ذلك، فإنه قال: ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها [الحديد: 27]، فلم يذكر أنه كتب عليهم نفس الرهبانية، ولا إتمامها، ولا رعايتها، بل أخبر أنهم ابتدعوا بدعة، وأن تلك البدعة لم يرعوها حق رعايتها....

وأما قول من قال: ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله؛ فهذا المعنى لو دل عليه الكلام، لم يكن في ذلك مدح للرهبانية، فإن من فعل ما لم يأمر الله به، بل نهاه عنه، مع حسن مقصده؛ غايته أن يُثاب على قصده، لا يثاب على ما نُهي عنه، ولا على ما ليس بواجب ولا مستحب؛ فكيف والكلام لا يدل عليه، فإن الله قال ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله [الحديد: 27]، ولم يقل: ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله، ولا قال: ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله ...

فعلم أن القول الذي ذكرناه هو الصواب، وأنه استثناء منقطع . فتقديره : وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم ؛ لكن كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله. فإن إرضاء الله واجب مكتوب على الخلق ، وذلك يكون بفعل المأمور وبترك المحظور ، لا بفعل ما لم يأمر بفعله ، وبترك ما لم ينه عن تركه ؛ والرهبانية فيها فعل ما لم يؤمر به ، وترك ما لم ينه عنه"، انتهى مختصرا، من "الجواب الصحيح" (2/ 188-200).

وحاصل ذلك:

أنه لا داعي لقلقك، ولا لوسوستك من إنكار الرهبانية على أهل الكتاب، ومن نحا نحوهم، ولا أن يكون ذلك احتمالا لتكذيب أمر صادق؛ فإن التكذيب المنهي عنه : أن يخبرونا عن كتابهم الذي أنزله الله أن فيه كذا، فلا نصدقهم، ولا نكذبهم، كما هو مقرر، وهم لم يخبرونا هنا عن كتابهم أن فيه ذلك الأمر بالرهبانية. وإذا قدر أنهم أخبرونا، فقد ذكر الله لنا أنه لم يكتبها عليهم ، وإذا أخبرنا الله بذلك، تبين أن فعلهم للرهبانية من بدعهم، وضلالاتهم، وأنهم إذا نسبوه إلى كتابهم، فقد كذبوا عليه، وكذبوا على نبيهم.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(265035)، ورقم:(209007). 

ثالثًا :

مما سبق يُعلم أن مريم عليها السلام لم تكن راهبة ، لأن الرهبنة حصلت في أتباع المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام.

وإنما كانت عابدة "تَقَبَّلَهَا مِنْ أُمِّهَا نذيرة، وأنه وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا أَيْ: جَعَلَهَا شَكْلًا مَلِيحًا وَمَنْظَرًا بَهِيجًا، ويَسر لَهَا أَسْبَابَ الْقَبُولِ، وَقَرَنَهَا بِالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ، تَتَعَلَّمُ مِنْهُمُ الْخَيْرَ وَالْعِلْمَ وَالدِّينَ"، كما قال ابن كثير في "التفسير"(2/35).

قال ابن كثير: " وَهِيَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، مِنْ سُلَالَةِ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَتْ مِنْ بَيْتٍ طَاهِرٍ طَيِّبٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قِصَّةَ وِلَادَةِ أُمِّهَا لَهَا فِي "آلِ عِمْرَانَ"، وَأَنَّهَا نَذَرَتْهَا مُحَرَّرَةً، أَيْ: تَخْدُمُ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانُوا يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ، فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [آلِ عِمْرَانَ: 37] وَنَشَأَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ نَشْأَةً عَظِيمَةً، فَكَانَتْ إِحْدَى الْعَابِدَاتِ النَّاسِكَاتِ الْمَشْهُورَاتِ بِالْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ وَالتَّبَتُّلِ وَالدُّءُوبِ، وَكَانَتْ فِي كَفَالَةِ زَوْجِ أُخْتِهَا -وَقِيلَ: خَالَتِهَا- زَكَرِيَّا نَبِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ ذَاكَ وَعَظِيمِهِمُ، الَّذِي يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِمْ. وَرَأَى لَهَا زَكَرِيَّا مِنَ الْكَرَامَاتِ الْهَائِلَةِ مَا بَهَرَهُ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آلِ عِمْرَانَ: 37]، فَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا ثَمَرَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ وَثَمَرَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "آلِ عِمْرَانَ". فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى -وَلَهُ الْحِكْمَةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ-أَنْ يُوجد مِنْهَا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَحَدَ الرُّسُلِ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ الْعِظَامِ، انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا أَيِ: اعْتَزَلَتْهُمْ وَتَنَحَّتْ عَنْهُمْ، وَذَهَبَتْ إِلَى شَرْقِ الْمَسْجِدِ الْمُقَدَّسِ.

قَالَ السُّدِّيُّ: لِحَيْضٍ أَصَابَهَا، وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ" (5/219).

ثم إنها لما حملت بعيسى عليه السلام اتخذت مكانًا قصيًا أي: بعيدًا ، خوفًا من بني إسرائيل، قال ابن كثير في قوله تعالى: "فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا مريم/ 22 - 23.

قال السعدي في "التفسير" (491) : " أي: لما حملت بعيسى عليه السلام، خافت من الفضيحة، فتباعدت عن الناس مَكَانًا قَصِيًّا ، فلما قرب ولادها، ألجأها المخاض إلى جذع نخلة، فلما آلمها وجع الولادة، ووجع الانفراد عن الطعام والشراب، ووجع قلبها من قالة الناس، وخافت عدم صبرها، تمنت أنها ماتت قبل هذا الحادث، وكانت نسيا منسيا فلا تذكر. وهذا التمني بناء على ذلك المزعج، وليس في هذه الأمنية خير لها ولا مصلحة، وإنما الخير والمصلحة بتقدير ما حصل.

فحينئذ سكّن الملك رُوعها وثبت جأشها وناداها من تحتها، لعله في مكان أنزل من مكانها، وقال لها: لا تحزني، أي: لا تجزعي ولا تهتمي، فـ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا أي: نهرا تشربين منه"، انتهى.

وانظر الأجوبة:(241999)، (220391)، (178240).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب