الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

استفسار متعلق بحديث: ( مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا... )

السؤال

عمري ٢٣ سنة، فتاة غير متزوجة، مررتُ بوقت عصيب للغاية مؤخرًا، وتحولّت شعرتين من شعري إلى اللون الأبيض، قرأت عن حديث يقول: ( مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ )،هل هذا يعني أنّني أخذت أجراً عن طريق الشيب؟ وهل يعتبر الشيب أجرا عن بعض الأعمال الصالحة، أم إنّه بسبب الضغوط فقط؟ وهل نعمة الشيب خاصّة بالمسلمين كما ذُكر هذا في الحديث أعلاه "في الإسلام" ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ القِيَامَةِ  رواه الترمذي (1635)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ".

وعَنْ شُرَحْبِيل بْن السِّمْطِ، قَالَ: يَا كَعْبُ بْنَ مُرَّةَ، حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْذَرْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ القِيَامَةِ   رواه الترمذي (1634)، والنسائي (3144)، ورواه النسائي في "السنن الكبرى" (4 / 288)، والإمام أحمد في "المسند" (29 / 606) بلفظ:  شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللهِ  .

فعلى رواية  فِي سَبِيلِ اللهِ   فيكون المعنى؛ أن من شاب بسبب مشقة مجاهداته في الطاعات.

لكن رواية:  شَيْبَةً فِي الإِسْلَامِ  ، ورد ما يشهد لها.

عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  مِنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ  رواه ابن حبان (2983)، وقوى إسناده محقق "الإحسان" الشيخ شعيب الأرنؤوط، وصححه الشيخ الألباني في "التعليقات الحسان" (5 / 21).

قال الطيبي رحمه الله تعالى:

"  (من شاب شيبة في سبيل الله)...

ومعناه من مارس المجاهدة حتى تشيب طاقة من شعره فله ما لا يوصف من الثواب. دل عليه تخصيص ذكر النور والتنكير فيه. ومن روى ( فِي الْإِسْلَامِ ) بدل ( فِي سَبِيلِ اللهِ ) أراد بالعام الخاص، أو سمى الجهاد إسلاما؛ لأنه عموده وذروة سنامه " انتهى من"شرح المشكاة" (8 / 2669).

لكن هذا لا ينفي أن يكون من هذا حاله من المجاهدة : له نور عظيم بسبب عظم مجاهداته، وغيره من المسلمين كل له نور في شيبه بحسب درجة إيمانه وملازمته للطاعات، ويدل لهذا ورود ما يدل على أن نور الشيب لعموم المسلمين، وليس خاصا بأصحاب المجاهدات منهم، كما في حديث عبد الله بن عمرو: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ، وَقَالَ: إِنَّهُ نُورُ المُسْلِمِ  رواه الإمام أحمد في "المسند" (11 / 550)، والترمذي (2821)، وأبو داود (4202)، وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ".

وروى ابن حبان (2985)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال:   لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَرُفِعَ له بها درجة  ، وحسّن إسناده محقق "الإحسان" الشيخ شعيب الأرنؤوط، وكذا الشيخ الألباني في "التعليقات الحسان" (5 / 22 - 23).

قال المباركفوري، رحمه الله:

" قوله (نهى عن نتف الشيب) أي الشعر الأبيض من اللحية أو الرأس (قال إنه نور المسلم) الإضافة للاختصاص أي وقاره المانع من الغرور بسبب انكسار النفس عن الشهوات والفتور وهو المؤدي إلى نور الأعمال الصالحة فيصير نورا في قبره ويسعى بين يديه في ظلمات حشره". انتهى، من "تحفة الأحوذي" (8/88).

ثانيا:

ينبغي للمسلم أن يتنبه إلى أن الهموم والغموم وما تلحقه بالمسلم من ضعف وشيب ونحوه، هي أمور فيها خير للمسلم تكفر بها خطاياه.

عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:   مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ  رواه البخاري (5641)، ومسلم (2573).

فالذي على المسلم هو أن يحسن الصبر عند نزول هذه الهموم وما يتبعها من شيب، فإن فعل فهو موعود بأجر عظيم.

قال الله تعالى:  إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ الزمر/10.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخّطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند الله، وأنه معين على كل الأمور " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 721).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب