الحمد لله.
استقامة الظهر في الصلاة تكون في ثلاثة مواضع :
الموضع الأول : ( حال القيام ) أي : بعد تكبيرة الإحرام .
اختلف الفقهاء في صفة القيام ، فقال الحنفية والحنابلة : أن يكون بحيث إذا مد يديه لا تنال يداه ركبتيه .
قال في "الجوهرة النيرة" (50/1) : " وحد القيام : أن يكون بحيث لو مد يديه لا ينال ركبتيه " انتهى.
ينظر: "البحر الرائق" (308/1) و"حاشية ابن عابدين" (444/1)، "شرح منتهى الإرادات" (194/1)، و"الإنصاف في معرفة الخلاف" (480/3) .
وقال المالكية الشافعية : إذا انحنى بحيث كان أقرب إلى الركوع منه إلى القيام بطلت صلاته .
قال النووي في "المجموع" (3/ 261): " الانتصاب المشروط المعتبر فيه نصب فقار الظهر ، ليس للقادر أن يقف مائلا إلى أحد جانبيه ، زائلا عن سنن القيام ، ولا أن يقف منحنيا في حد الراكعين ؛ فإن لم يبلغ انحناؤه حد الراكعين لكن كان إليه أقرب فوجهان : أصحهما : لا تصح صلاته ؛ لأنه غير منتصب . والثاني : تصح ؛ لأنه في معناه . ولو أطرق رأسه بغير انحناء صحت صلاته بلا خلاف لأنه منتصب " انتهى ، وينظر : التاج والإكليل (1/419) .
وعلى هذا ، فإن انحنى المصلي، وكان انحناؤه أقرب للركوع بدون عذر: بطلت صلاته عند المالكية الشافعية .
وعند الحنفية والحنابلة لا تبطل إلا إذا وصل إلى حد الركوع .
الموضع الثاني والثالث : ( حال الاعتدال ) أي: من الركوع والسجود .
وفيه حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) رواه أبو داود ( 855 ) والترمذي ( 265 ) وقال : حسن صحيح . والنسائي ( 1027 ) وابن ماجه ( 870 ).
قال الإمام الترمذي رحمه الله :
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود .
وقال الشافعي وأحمد وإسحاق : مَن لم يُقم صلبَه في الركوع والسجود : فصلاته فاسدة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ) . "سنن الترمذي" (2 /51).
وجاء في "مسند أحمد" (10799) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى صَلَاةِ رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ بَيْنَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (22/ 534) :
" فهذا صريح في أنه لا تجزئ الصلاة حتى يعتدل الرجل من الركوع، وينتصب من السجود ؛ فهذا يدل على إيجاب الاعتدال في الركوع والسجود ...
وذلك : أن قوله ( يقيم ظهره في الركوع والسجود ) أي : عند رفعه رأسه منهما؛ فإن إقامة الظهر تكون من تمام الركوع والسجود ؛ لأنه إذا ركع ، كان الركوع من حين ينحني، إلى أن يعود فيعتدل، ويكون السجود من حين الخرور من القيام أو القعود، إلى حين يعود فيعتدل.
فالخفض والرفع : هما طرفا الركوع والسجود وتمامهما؛ فلهذا قال: ( يقيم صلبه في الركوع والسجود ) .
ويبين ذلك: أن وجوب هذا من الاعتدالين، كوجوب إتمام الركوع والسجود " انتهى.
وجاء عن أبي وائل، عن حذيفة؛ أنه رأى رجلاً لا يتمُّ ركوعه ولا سجوده، فلمَّا قضى صلاته قال له حذيفة : ما صليتَ ، قال : وأحسبه قال : لو مُتَّ؛ مُتَّ على غير سنَّة محمد صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري ( 382 ) .
وفي رواية أخرى ( 758 ) : عن زيد بن وهب قال : رأى حذيفةُ رجلاً لا يتم الركوع والسجود، قال : ما صليتَ، ولو مُتَّ، مُتَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمَّداً صلى الله عليه وسلم عليها.
وحد الاعتدال من الركوع هنا ، هو نفسه حد الاعتدال من القيام بعد تكبيرة الإحرام .
قال في "التاج والإكليل" (1/419) :
"وَفِي التَّلْقِينِ : مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ .
وَاخْتُلِفَ فِي الِاعْتِدَالِ فِي الْقِيَامِ مِنْهُ ، وَالْأَوْلَى: أَنْ يَجِبَ مِنْهُ مَا كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ ، وَكَذَلِكَ فِي الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ . انْتَهَى" انتهى.
والتلقين هو كتاب على المذهب المالكي للقاضي عبد الوهاب رحمه الله أحد أعلام المذهب المالكي .
وأما الانحناء في حال التشهد، أو الجلوس بين السجدتين ، فذكر ابن حجر الهيتمي الشافعي في تحفة المحتاج (2/150) أنه إذا انحنى الجالس بحيث تحاذي جبهته أمام ركبتيه بطلت صلاته .
علق عليه الشرواني رحمه الله بقوله : "فيه نظر" : ... ثم ذكر عن بعض علماء الشافعية أنهم خالفوا ابن حجر في هذا .
فالذي ينبغي للمصلي أن لا ينحني في جلوسه حتى تصل جبهته إلى ما بعد ركبتيه ، بل يكون انحناؤه –إن انحنى- دون ذلك .
والحاصل :
أنه إذا انحنى المصلي في حال قيامه بحيث يصل إلى حد الركوع ، أو يكون إلى الركوع أقرب – على اختلاف العلماء- بطلت صلاته .
وأنه ينبغي ألا ينحني في الجلوس حتى تتجاوز جبهته ركبتيه .
والله أعلم.
تعليق