الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

يستشكل ما أعطيه عيسى عليه السلام من القدرة على إحياء الموتى.

السؤال

في "صحيح مسلم" ورد الحديث أنّ أنفاس عيسى تكون قادرة على قتل الكفار عندما يقومون بشمّها، فإذا أعطي عيسى هذه القدرة، والقدرة على إحياء الموتى عندما يعود قرب نهاية الزمان، حينذاك ما كان الناس لَيَشعرون بالحيرة والارتباك بشأنه يعتقدون أنّ لديه القدرة على إعطاء الحياة الموت ، مع أنّ الله هو الذي يَهَبُ الحياة والموت؟

الجواب

الحمد لله.

عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: " ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ...

 فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ ...   رواه مسلم (2937).

فما أعطاه الله تعالى لعيسى عليه السلام من دلائل نبوته سابقا كإحياء الموتى، وما سيكون من موت الكافر من ريح نفسه كما في هذا الحديث، كل هذا ليس محل اشتباه، بل أعطاه الله تعالى هذا دلالة على صدق دعوته، والعقل السليم والفطرة السليمة تستدل بهذه الدلائل على صدق صاحبها في أقواله وأحواله، ولهذا سمّيت هذه "المعجزات" بـ "دلائل النبوة".

والاشتباه الذي اشرت إليه في السؤال إنما يتصور لو أن عيسى عليه السلام أُعطي هذه الدلائل، ولكنه سكت عن بيان الحق، فيظن الناس فيه الظنون وهو ساكت لا يبين.

لكن عيسى عليه السلام أعطي هذه الدلائل حال قيامه بما أمره به الله تعالى من الدعوة إلى توحيد الله تعالى، وتنزيهه عن الشريك وعن الولد.

كما حصل منه عليه السلام سابقا، قال الله تعالى:

 وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ، إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ   آل عمران/49 - 51.

وقال الله تعالى:  وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ   المائدة /116 - 117.

وهذا الذي سيحصل منه إذا نزل عليه السلام في آخر الزمان حكما بشريعة الإسلام، لا يقبل من النصارى إلا الإسلام، فلا يقبل منهم جزية، فيسلم من يسلم من النصارى لظهور الحق وبيانه.

وهذا من أوضح الواضحات، وأبين البينات على أنه لا إشكال حينئذ ، ولا لبس ؛ فإن عيسى عليه السلام، وهو نبي الله ورسوله، لن يدعو الناس في آخر الزمان إذا نزل إلى شريعته ، بل لن يقبل منهم أن يتدينوا بدين النصرانية من عند أنفسهم، ومن كان على دين النصارى قبل نزوله ، لن يقبل منه أن يظل عليه بعد نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ؛ فكيف يُخاف الإشكال من مثل ذلك ، أو يبقى فيه لبس أو شبهة .

عَنِ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ   رواه البخاري (2222)، ومسلم (155).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد ذكره لها:

" فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة، وابن مسعود، وعثمان بن أبي العاص، وأبي أمامة، والنواس بن سمعان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومجمع بن جارية وأبي سريحة حذيفة بن أسيد، رضي الله عنهم.

وفيها دلالة على صفة نزوله ومكانه ...

فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام كما تقدم في الصحيحين، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وتقرير وتشريع ، وتسويغ له على ذلك في ذلك الزمان، حيث تنزاح عللهم، وترتفع شبههم من أنفسهم؛ ولهذا كلهم يدخلون في دين الإسلام متابعة لعيسى، عليه السلام، وعلى يديه، ولهذا قال تعالى: ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ).

وهذه الآية كقوله تعالى: ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) وقرئ: "عَلَم" بالتحريك، أي إشارة ودليل على اقتراب الساعة " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 / 464 – 465).

فنزوله عليه السلام فيه إزالة لشبهات من اتخذه إلها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب