الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

أوثان القبوريين

343366

تاريخ النشر : 21-01-2021

المشاهدات : 8189

السؤال

أريد توضيح ما يقصد ابن القيم -رحمه الله- بالوثن فى البيت الثاني "والله ما غضبوا إذا انتهكت محا... رم ربهم في السر والإعلان حتى إذا قيل فى الوثن الذي... يدعونه ما فيه من نقصان فأجارك الرحمن من غضب ومن... حرب ومن شتم ومن عدوان وأجارك الرحمن من ضرب وتع...زير ومن سب ومن تسجان والله لو عطلت كل صفاته...ما قابلوك ببعض ذا العدوان

الجواب

الحمد لله.

هذه الأبيات هي من ضمن أبيات ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في بيان التوحيد الذي جاءت الرسل ببيانه وهو توحيد العبودية، وبيان أن فرض الله تعالى على العباد أن يفردوه سبحانه وتعالى بالعبادة، فلا يوجهوا شيئا منها إلى غيره من صلاة وصيام ودعاء ونذر وحج وتوكل وسائر عبادات القلب والجوارح.

فنبه ابن القيم رحمه الله تعالى إلى ضلال بعض المنتسبين إلى الإسلام؛ حيث اتخذوا بعض شيوخهم، أو من يعتقدون فيه الصلاح والتقوى؛ فقصدوهم بالعبادة: بالحج إلى قبورهم ، وتوجيه الدعاء إليهم بطلب الرزق والولد والشفاء ، وغيرها من أنواع العبادات التي لا يجوز أن توجه إلى غير الله تعالى، ويزعمون أن أصحاب القبور هؤلاء يشفعون لهم عند الله تعالى، فصنعوا كصنيع المشركين عباد الأوثان فقد تشبثوا بنفس شبهتهم.

قال الله تعالى منكرا على أمثالهم:  إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ  الزمر/2 – 3.

وقال الله تعالى:  فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ  يونس/17 – 17.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" ثم أخبر تعالى عن عُبّاد الأصنام من المشركين أنهم يقولون: ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) ؛ أي: إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم، فعبدوا تلك الصور، تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمر الدنيا، فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به.

قال قتادة، والسدي، ومالك عن زيد بن أسلم، وابن زيد: ( إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) أي: ليشفعوا لنا، ويقربونا عنده منزلة.

ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".

وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 84 – 85).

فعباد القبور شابهوا المشركين أهل الجاهلية، فأصبحت هذه القبور كأوثان أهل الجاهلية؛ لأن الوثن هي الحجارة المعبودة.

قال ابن فارس رحمه الله تعالى:

" الْوَثَنُ وَاحِدُ الْأَوْثَانِ: حِجَارَةٌ كَانَتْ تُعْبَدُ " انتهى من "مقاييس اللغة" (6 / 85).

ولهذا من توجه بأعمال العبادة إلى شيء غير الله تعالى من قبر أو غيره، فقد جعله وثنا ؛ كما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اللهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (12 / 314)، وقوّى محققو المسند إسناده.

قال بن عبد البر رحمه الله تعالى:

" الوثن: الصنم، وهو الصورة من ذهب كان أو من فضة أو غير ذلك من التمثال. وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن، صنما كان أو غير صنم؛ وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم؛ كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم " انتهى من "التمهيد" (5 / 45).

قال الشيخ محمد خليل هراس رحمه الله تعالى معلقا على هذه الأبيات:

" يقصد المؤلف بهذا الفريق : طوائف القبوريين، عباد الأضرحة، الذين يدّعون الإسلام كذبا وزورا...

فهؤلاء القبوريون قد جعلوا أصحاب هذه الأضرحة شركاء لله ، يوالونهم ويتقربون إليهم بأنواع القرابين من الذبائح والنذور، ويسوّونهم بالله عز وجل في المحبة، بل هم لهم أشد حبا، وبهم أكثر تعلقا، كما تدل على ذلك أحوالهم، وتنبئ عنه فعالهم، فإن أحدهم لا يغار ولا يغضب إذا انتهكت حرمات الله، وعمل بمعصيته في السر والعلانية، ولكنه إذا سمع من أحد الموحدين أنه يتعرض لوثنه الذي يدعوه ويعكف عليه، وأنه يصفه بما هو فيه من عجز ونقص حتى ولو كان هذا الوصف مأخوذا من القرأن، استشاط لذلك غضبا وأخذته حمية الجاهلية... " انتهى من "شرح القصيدة النونية" (2 / 139 – 140).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب