الحمد لله.
أولا:
لوالدك أن يطلق زوجته الثانية، أو أن يمسكها، وليس من حقكم أن تقولوا: إذا أكمل معها أن لا شيء له عندنا أو في بيتنا، فهذا منكر عظيم، وعقوق، وهو من أكبر الكبائر.
وكونه تزوج سرا عنكم: ليس جرما، وعلى فرض أنه أجرم في غير هذه المسألة، فلا حق مطلقا لأولاده أن يهجروه، أو يدعوه لهجرهم، أو يمتنعوا من بره، أو ينتفوا من مسئوليته، أو يمنعوه من بيته أو بيتهم.
فلوالدك الحق أن يبقي على زوجته، وأن يعلن ذلك، لكن يلزمه العدل بين الزوجتين في جميع الأحوال، أي في حال إعلان الزواج أو إخفائه.
ثانيا:
إذا اختار والدك طلاق زوجته لما ذكر من الأسباب، فإن أمر حضانة الأولاد لا يرجع إليه، ولا إليكم، بل إلى الشرع.
والأم أحق بحضانة من دون سبع سنين، ما لم تتزوج؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي رواه أحمد (6707)، وأبو داود(2276)، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود "
وبعد سبع سنين: يخير الابن الذكر، وفي البنت خلاف، هل تخير، أو تكون مع الأب أو مع الأم دون تخيير.
وإذا تزوجت الأم انتقلت الحضانة لمن بعدها وهي أم الأم، وليس الأب.
وينظر: جواب السؤال رقم : (91862)، ورقم:(245991).
وفي حال كون الحضانة للأم فإن الأب لا يمنع من زيارة الأولاد، بل يلزمه ذلك، كما تلزمه نفقتهم وتربيتهم ورعايتهم، ولا يمنع من إحضارهم إلى المنزل الذي فيه زوجته الأولى.
لكن إن كان نمط الحياة العام للأم هو ما ذكر ، من تساهلها في الاختلاط بالرجال والسهرات، فالظاهر أن هذا يسقط حقها في الحضانة، وتنتقل إلى الأب. وقد سبق البيان أن فسق الزوجة يسقط حقها في الحضانة، سواء كان فسقها من جهة الاعتقاد، أو من جهة العمل، كشرب الخمر. قال في "كشاف القناع" (5/ 498): "(ولا) حضانة أيضا (لفاسق) لأنه لا يوفي الحضانة حقها" انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم: (323697).
ثالثا:
إذا أراد الوالد إسكان أولاده من زوجته الثانية مع زوجته الأولى وأولادها، فلا حق لأولاده في الاعتراض على ذلك تحت أي ذريعة.
وأما زوجته فإن لها الحق في سكن مستقل، ولها أن ترفض سكن أولاد زوجها من غيرها معها، سواء كان معهم مربية أولا، إلا أن يكون في البيت متسع، بحيث يسكنون في مكان له مدخله المستقل، ومرافقه، فلا يحق لها الاعتراض حينئذ.
قال الكاساني رحمه الله :"ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها، أو مع أحمائها، كأم الزوج وأخته، وبنته من غيرها، وأقاربها ، فأبت ذلك عليه : فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا ...
ولكن لو أسكنها في بيت من الدار [ أي في غرفة ]، وجعل لهذا البيت غَلَقاً على حدة؛ كفاها ذلك ، وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر، لأن الضرر بالخوف على المتاع، وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال " انتهى من "بدائع الصنائع "( 4 / 23 ).
وقال الحصكفي رحمه الله : " وكذا تجب لها السكنى، في بيت خالٍ عن أهله وأهلها، بقدر حالهما، كطعام وكسوة وبيت منفرد، من دار له غلق ومرافق ، ومفاده لزوم كنيف (أي : بيت خلاء ) ومطبخ : كفاها ، لحصول المقصود".
وعلق ابن عابدين عليه فقال في حاشيته (3/600) :
"( قوله وبيت منفرد ) أي ما يبات فيه ; وهو محل منفرد معين ...
والظاهر: أن المراد بالمنفرد ما كان مختصا بها، ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار
( قوله له غَلَق ) بالتحريك : ما يغلق ويفتح بالمفتاح ...
( قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ ) أي بيت الخلاء وموضع الطبخ ، بأن يكونا داخل البيت ، أو في الدار لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار .
قلت: وينبغي أن يكون هذا في غير الفقراء الذين يسكنون في الربوع والأحواش ، بحيث يكون لكل واحد بيت يخصه ، وبعض المرافق مشتركة ، كالخلاء والتنور وبئر الماء" انتهى.
وإننا لنعجب من طريقة حديثكم مع والدكم، ومعاملته هذه المعاملة الندية التي لا تليق، مع كونكم تعيبون أخلاق المتفرنجين؛ وهل هذه إلا أخلاق القوم، وعاداتهم؟
أما العرب- فضلا عن المؤمنين منهم- فإن الأب له المكانة العظمى في بيته، وبين أولاده، ولا يمكن لعربي أصيل أن يقول لوالده: إن أبقيت على زوجتك الثانية، وأعلنت أولادك ما عاد لك شيء في بيتنا، ولو قال ذلك لعاش بعار الدهر.
فاحذروا من أخلاق القوم فإنهم لئام ماديون، لا يعرفون البر ولا الحقوق.
وإنا لنذكركم بما روى أحمد (21765)، والترمذي (1900)، وابن ماجه (2089) عن أبي الدرداء قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؛ فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوْ احْفَظْهُ والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وروى الترمذي (1899) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوالكم أجمعين.
والله أعلم.
تعليق