الحمد لله.
أولا:
هذا الدعاء ورد في السنّة لدفع ظلم الظالم.
كما ورد في قصة الغلام من قصة أصحاب الأخدود.
فعَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ... ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ ... ) رواه مسلم (3005).
وقد ورد أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا به لاتقاء سراقة بن مالك لما تعقبهم أثناء رحلة الهجرة إلى المدينة، حيث قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
( فَارْتَحَلْنَا، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. فَقَالَ: ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ) حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. وَبَكَيْتُ، قَالَ: لِمَ تَبْكِي؟ قَالَ: قُلْتُ: أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ. قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ ). فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ، وَوَثَبَ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنْجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ ... ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 181)، وصحح إسناده محققو المسند.
ولمزيد الفائدة يحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (160583).
ثانيا:
إذا كان للمسلم حاجة فله أن يدعو الله تعالى بما شاء، ولم يقيده الشرع بصيغة لا يحيد عنها، بل يسأل ما شاء من فضل الله تعالى.
قال الله تعالى:
(وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء/32.
وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء بعد التشهد في الصلاة ، فقال: (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو ) ، وفي رواية: ( ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ ) رواه البخاري (835)، ومسلم (402).
لكن بشرط أن لا يكون فيه اعتداء، ولا يدعو بظلم أو إثم.
عن عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ!
قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ ) رواه الترمذي (3573) وقال: "وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ".
وعَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ ) رواه أبو داود (96)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (96).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات. وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب. ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/22).
والمسلم إذا خاف مرضا فدعا الله تعالى بقوله: " اللهم اكفنيه بما شئت ".
فهو دعاء خير لا إثم فيه ولا اعتداء.
لأن معنى "اكفنيه": أي ادفعه عني وقني ضرره.
ومعنى "بما شئت": أي بما يشاء الله سبحانه وتعالى ويقدّره من الأسباب، من غير تعيين لسبب معيّن.
فلا يظهر في هذا المعنى ما يوجب النهي عنه.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" باب الأدعية واسع، فليدع العبد ربه بما يحتاجه مما لا إثم فيه...
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى. "فتاوى اللجنة" (24 / 203 – 204).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (337955)، ورقم: (297596).
والله أعلم.
تعليق