الحمد لله.
أولا: ينبغي للمؤمن أن يدعو بالأدعية المأثورة ما استطاع
ينبغي للمؤمن أن يسأل الله من خير الدنيا والآخرة، وأن يدعو بالأدعية المأثورة ما استطاع، كأدعية الأنبياء في القرآن، وما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولا يحتاج الداعي إضافة قيد إلى دعائه إلا إذا كان في أمر لا يتحقق مصلحته ونفعه.
ولو استعمل المأثور أغناه عن كل شيء.
فلو قال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ آل عمران/38 .
وقال: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً الفرقان/74 .
فهذا لمن أراد الولد، وصلاحه.
ومن أراد المال وسعة الرزق فليقل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، وليقل: اللهم إني أسألك رزقا طيبا، وليقل: اللهم وسع لي في داري وبارك لي فيما رزقتني.
قال تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ البقرة/201 .
وروى مسلم (6288) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ، فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا تُطِيقُهُ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ، فَشَفَاهُ.
وروى ابن ماجه (925) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .
وروى الترمذي (3500) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ فَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْهُ أَنَّكَ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي قَالَ: فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا ؟ والحديث حسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (1265).
وأنت ترى أن هذه الأدعية متضمنة لقيود نافعة، من صلاح الوالد، وطيب الرزق، ونفع العلم، وبركة المال.
وقد يأتي الدعاء بلا قيد، كما قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه/11.
وروى الترمذي (284)، وابن ماجه (898) عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي وصححه الألباني.
فهنا لم يقيد الرزق.
ثانيا: ينبغي تعليق الدعاء أو تقييده فيما لا تعرف مصلحته
ينبغي تعليق الدعاء أو تقييده فيما لا تعرف مصلحته، كسؤال الموت، أو عكسه وهو طول العمر.
ومما جاء في ذلك: ما روى البخاري (5671) ومسلم (2680) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي .
ثالثا: توجيه كلام الإمام أحمد في دعائه بحفظ القرآن
ما جاء عن أحمد رحمه الله لا يخرج عما ذكرنا.
فقد روى الخلال عنه، قال: "سمعت أَحمد بن حنبل، يقول: كنتُ أحفظ القرآن، فلما طلبت الحديث اشتغلتُ- فقلت: متى- فسأَلت الله عز وجل أَن يمنَّ عليّ بحفظه ولم أقل: في عافية، فما حفظته إلا في السجن والقيود، فإذا سأَلت الله حاجة فتقول: في عافية" نقله ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد، ص39. وينظر: "الفروع" (2/ 27)، "الآداب الشرعية" (2/ 182).
فأحمد سأل الوقت والتفرغ، والفراغ قد يأتي والإنسان في عافية، أو في بلاء من سجن أو مرض.
ومثله ما لو أراد السفر إلى بلد، فلا يقول: اللهم يسر لي السفر إلى بلد كذا، ويسكت، بل يقول: عافية؛ لأنه قد يسافر إليها مريضا.
فما لم تتحق مصلحته، ينبغي فيه التقييد، دون تكلف أو وسوسة.
وقد ورد التقييد بالعافية في بعض طرق حديث الاستخارة، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استخار في الأمر يريد أن يصنعه يقول : (..... فَخِرْ لِي فِي عَافِيَةٍ ، وَيَسِّرْهُ لِي) .
قال الهيتمي في "مجمع الزوائد" (2/280) : رواه البزار بأسانيد ... ورجال طريقين من طرقه حسنة " انتهى .
لكن الواجب على العبد ، على كل حال ، ألا يخرج به ذلك الأدب ونحوه إلى ضروب من الوسوسة ، أو سوء الظن بالله تعالى ، أو تكلف ما يشق عليه في عبادته ، ومناجاته لرب العالمين ، فالأمر فيه واسع ، ومرد ذلك إلى رحمة رب العالمين، ولو دعا بما يظنه خيرا ، من غير أن يعلق بذلك ، فلا بأس به ، وله أصل ظاهر ، والعمل به معروف في الناس ، ولو علق بالعافية ، أو تقدير الخير: فهو حسن وخير ، أيضا .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (239669)، ورقم : (224914) .
والله أعلم.
تعليق