الجمعة 26 جمادى الآخرة 1446 - 27 ديسمبر 2024
العربية

هل صح عن الصحابة دلك جلودهم ووجوههم بنخامة النبي صلى الله عليه وسلم، ولماذا؟

363305

تاريخ النشر : 17-11-2022

المشاهدات : 22702

السؤال

خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن حديبية، فذكر الحديث، "وما تنخم النبي نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده" فما صحة هذا الحديث؟

الجواب

الحمد لله.

من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن المبالغة في مدحه وإطرائه .

فقد أخرج البخاري في "صحيحه" (3445) ، من حديث عمر رضي الله عنه ، قال  سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ).

وكان كذلك عظيم التواضع ، يكره أن يقوم الناس إليه .

فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" (946) ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:" مَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ رُؤْيَةً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا إِلَيْهِ، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ".

والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (728) .

وأما ما أورده السائل الكريم فهو جزء من حديث صحيح ، أخرجه البخاري في "صحيحه" (2731) ، وهو حديث صلح الحديبية الطويل ،  وجاء فيه قول عروة بن مسعود لقريش :" فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ ، وَكِسْرَى ، وَالنَّجَاشِيِّ ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا ، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا".

ولا ريب في مشروعية التبرك بفضلات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرة، كريقه، ونخامته، وعرقه، ومثل ذلك، أو أولى منه: ما يكون من بدنه الشريف، أو شعره، صلى الله عليه وسلم . والتبرك بمثل ذلك ثابت عن السلف الصالح، رضوان الله عليهم.

وقد حمل أهل العلم تعمد الصحابة إظهار ذلك، في ذلك المقام، مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم ، على أنه كان على وجه الإغاظة لعروة بن مسعود الثقفي، وافد قريش عندما قال :" وَإِنِّي لَأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ"؛ فلما سمع الصحابة مقالته أرادوا غيظه وإخافته ورد مقالته، بإظهار عظيم حبهم وكبير نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا لما رجع عروة إلى قريش قصَّ عليهم ما فعلهم الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال :"وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ ، وَكِسْرَى ، وَالنَّجَاشِيِّ ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا ".

قال ابن بطال (8/129) :" وتدلكهم بنخامته صلى الله عليه وسلم: على وجه التبرك ورجاء نفعها في أعضائهم .

وفيه: طهارة النخامة، بخلاف من جعلها تنجس الماء، وإنما أكثروا من ذلك بحضرة عدوه ، وتزاحموا عليه ؛ لأجل قوله:" إني لأرى وجوهًا وأشوابًا من الناس خليقًا أن يفروا عنك ويدعوك " ، فأروه أنهم أشد اغتباطًا وتبركًا بأمره ، وتثبتًا في نصرته من القبائل التي تراعي الرحم بينهم "انتهى.

وقال ابن حجر في "فتح الباري" (5/341) :" وَلَعَلَّ الصَّحَابَةَ فَعَلُوا ذَلِكَ بِحَضْرَةِ عُرْوَةَ، وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ: إِشَارَةً مِنْهُمْ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَا خَشِيَهُ مِنْ فِرَارِهِمْ، وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا بِلِسَانِ الْحَالِ: مَنْ يُحِبُّ إِمَامَهُ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ، وَيُعَظِّمُهُ هَذَا التَّعْظِيمَ؛ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَفِرُّ عَنْهُ، ويُسْلِمُه لِعَدُوِّهِ؛ بَلْ هُمْ أَشَدُّ اغْتِبَاطًا بِهِ وَبِدِينِهِ وَبِنَصْرِهِ مِنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يُرَاعِي بَعْضُهَا بَعْضًا بِمُجَرَّدِ الرَّحِمِ ". انتهى.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(158714)، ورقم: (204716).  

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب