الحمد لله.
أولا:
التسبيح في الركوع والسجود واجب في مذهب الإمام أحمد، خلافا للجمهور فإنهم يرون استحبابه.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/297): " والمشهور عن أحمد: أن تكبير الخفض والرفع , وتسبيح الركوع والسجود , وقول: سمع الله لمن حمده , وربنا ولك الحمد , وقول: ربي اغفر لي - بين السجدتين - , والتشهد الأول = واجب. وهو قول إسحاق , وداود.
وعن أحمد: أنه غير واجب، وهو قول أكثر الفقهاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته , ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة , ولأنه لو كان واجبا لم يسقط بالسهو , كالأركان.
ولنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به - وأمره للوجوب -، وفعَله. وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي , وقد روى أبو داود، عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله: ثم يكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتى يستوي قائما ثم يقول: الله أكبر , ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر. فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته. وهذا نص في وجوب التكبير.
ولأن مواضع هذه الأذكار أركان الصلاة؛ فكان فيها ذكر واجب، كالقيام .
وأما حديث المسيء في صلاته: فقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليمه ذلك , وهي زيادة يجب قبولها. على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه كل الواجبات، بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام، ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه، ولا يلزم من التساوي في الوجوب، التساوي في الأحكام، بدليل واجبات الحج " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم: (307741).
ثانيا:
من نسي التسبيح في الركوع أو السجود، وتذكره قبل أن يعتدل من الركوع أو السجود، أتى به، فإن اعتدل لم يرجع إليه وسجد للسهو.
قال في "كشاف القناع" (1/350): "وإذا رفع رأسه من الركوع، فذكر أنه لم يسبح في ركوعه: لم يعد إلى الركوع، إذا ذكره بعد اعتداله؛ لأنه انتقل إلى ركن مقصود، فلا يعود إلى واجب.
فإن عاد إليه أي: إلى التسبيح بعد اعتداله، فقد زاد ركوعا تبطل الصلاة بعمده، كما لو لم يكن نسي التسبيح.
فإن فعله أي: عاد إلى التسبيح بعد الاعتدال ناسيا أو جاهلا: لم تبطل صلاته بذلك، ويسجد للسهو وجوبا ، لأنه زيادة فعلية" انتهى.
وقال في (1/405): " (وكذا حكم تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي بين السجدتين، وكل واجب تركه سهوا، ثم ذكره؛ فيرجع إلى تسبيح ركوع قبل اعتدال، لا بعده). ذكره القاضي قياسا على القيام من ترك التشهد. قال في المبدع: وليس مثله؛ لأن التشهد واجب في نفسه غير متعلق بغيره، بخلاف بقية الواجبات؛ لأنها تجب في غيرها، كالتسبيح " انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم: (330211).
فمن اعتدل من الركوع، لم يجز له الرجوع للإتيان بالتسبيح، وكذا من اعتدل من السجود.
وما جاء في "الملخص الفقهي" (1/152) ونصه: " وإن ترك التسبيح في الركوع أو السجود؛ لزمه الرجوع للإتيان به؛ ما لم يعتدل قائما في الركعة الأخرى" :
فلعل الشيخ، وفقه الله، يرى أن التسبيح في الركوع والسجود: ركن في الصلاة، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
"يبقى التسبيح. وأحمد يوجبه في الركوع والسجود.
وروي عنه أنه ركن، وهو قوي؛ لثبوت الأمر به في القرآن والسنة. فكيف يوجب [يعني: الإمام أحمد] الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجئ أمر بها في الصلاة خصوصا؛ ولا يوجب التسبيح، مع الأمر به في الصلاة، ومع كون الصلاة تسمى " تسبيحا "؟
وكلُّ ما سميت به الصلاة من أبعاضها: فهو ركن فيها؛ كما سميت " قياما " و " ركوعا " و " سجودا " " وقراءة "، وسميت أيضا " تسبيحا ".
ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينفي وجوبه في حال السهو، كما ورد في التشهد الأول أنه لما تركه سجد للسهو.
لكن قد يقال: لما لم يأمر به المسيء في صلاته، دل على أنه واجب ليس بركن." انتهى، من "مجموع الفتاوى" (16/118).
وينظر أيضا: "الفروع" لابن مفلح" (2/249)، "الإنصاف" للمرداوي (2/115).
وبكل حال، فالمعتمد في المذهب هو ما قدمناه، وهو قول جماهير أهل العلم أيضا.
والله أعلم.
تعليق