الحمد لله.
أولا :
الهدية والصدقة كلتاهما: إعطاء المال للغير، من غير عوض. إلا أن الفرق بينهما : أن الهدية يقصد بها مع ذلك التودد إلى الشخص المعطى . أما الصدقة فلا ينظر فيها إلا إلى محض الثواب والتقرب إلى الله تعالى، بقطع النظر عن الشخص المعطى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"الصَّدَقَةُ : مَا يُعْطَى لِوَجْهِ اللَّهِ، عِبَادَةً مَحْضَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَا طَلَبِ غَرَضٍ مِنْ جِهَتِهِ؛ لَكِنْ يُوضَعُ فِي مَوَاضِعِ الصَّدَقَةِ كَأَهْلِ الْحَاجَاتِ.
وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ ، فَيَقْصِدُ بِهَا إكْرَامَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ؛ إمَّا لِمَحَبَّةِ ، وَإِمَّا لِصَدَاقَةِ؛ وَإِمَّا لِطَلَبِ حَاجَةٍ ... وَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ: فَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْهَدِيَّةِ مَعْنًى تَكُونُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ: مِثْلَ الْإِهْدَاءِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ مَحَبَّةً لَهُ. وَمِثْلَ الْإِهْدَاءِ لِقَرِيبِ يَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ ، وَأَخٍ لَهُ فِي اللَّهِ: فَهَذَا قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/ 269) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"واعلم أن خروج المال بالتبرع يكون هبة، ويكون هدية، ويكون صدقة، فما قصد به ثواب الآخرة بذاته فهو صدقة، وما قصد به التودد والتأليف فهو هدية، وما قصد به نفع المعطَى فهو هبة، فهذا هو الفرق بينها، والتودد والتأليف من الأمور المقصودة شرعاً ويقصد بها ثواب الآخرة، لكن ثواب الآخرة لم يقصد فيها قصداً أولياً، ولهذا يخصها بشخص معين، أما الصدقة فلا يخصها بشخص معين، بل أي فقير يواجهه يعطيه، وكلها تتفق في أنها تبرع محض لا يطلب الباذل عليها شيئاً" انتهى من "الشرح الممتع" (11/65) .
ثانيا :
الصدقة الجارية هي ما يتصدق به الإنسان، ويستمر ثوابها له بعد مماته مادامت ينتفع بها ، ولهذا فسرها العلماء بالوقف ، لأنه هو الذي يستمر الانتفاع به مدة طويلة؛ فيبقى جريان الثواب لمن أوقفه، ما بقي هذا الوقف.
قال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (1/602) :
"الصدقة الجارية هي المستمرة من بعده ، كوقف" انتهى بتصرف .
وقال القاضي عياض رحمه الله في "مشارق الأنوار" (1/281) :
"(أو صدقة جارية) أي : يجري نفعها، وأجرها ويدوم" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"الصدقة الجارية هي التي يستمر الانتفاع بها، ولهذا سميت جارية، لأنها غير واقفة.
والصدقة غير الجارية هي التي ينتفع بها الإنسان في وقتها فقط .
فمثلا : إذا أعطيت فقيرا ألف ريال، أنفقه في مدة شهر أو شهرين؛ انقطعت الصدقة.
وإذا أوقفت عمارة أو بيتا أو دكانا، ليكون ريعه في الفقراء: فالصدقة جارية ما دام ريعه موجوداً. وطباعة الكتب والأشياء النافعة صدقة جارية، ما دام الناس ينتفعون بها فهي جارية الأجر ، جارية الثواب" انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (122361).
وعلى هذا ، لا تكون الهدية من الصدقات الجارية ، لأنها ينتفع بها فترة محدودة ، ثم تزول وتنتهي .
ثالثا :
الذي يظهر أن ما تعطينه لخالتك الفقيرة هو صدقة ، وليس هدية ، لأنك تعطينها بسبب حاجتها وفقرها . على أن المدار في ذلك على نيتك وقصدك بذلك؛ فمن الممكن أن تنوي الهدية لقريبتك، رغم حاجتها؛ وإلا، فما دمت تعطينها لأجل الحاجة، وتنوين بذلك القربة إلى الله، فهي الصدقة.
والصدقة على الأقارب أفضل من الصدقة على غيرهم ، لأن فيها أجرين : أجر الصدقة ، وأجر صلة الرحم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) رواه النسائي (2582) وصححه الألباني .
رابعا :
إذا أعطيت والديك مالا على سبيل الحب لهم ، فهو هدية ، وثوابها عظيم ، لأنها داخلة في البر بالوالدين ، وهو من أعظم الأعمال الصالحة .
وقد سبق البيان أن الصدقة، وإن كانت أفضل من الهدية، من حيث الأصل؛ إلا أن الهدية قد تكون أفضل منها، إذا كانت لذي رحم قريبة، فصلة الرحم، مع الهدية؛ قد تكون أعظم أجرا من الصدقة على البعيد.
ولا رحم أقرب من رحم الوالدين؛ فصلتهما بالهدية ونحوها: من البر العظيم بهما.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (34614)
وإذا قام والدك بعد ذلك بالتصدق بهذا المال في بناء مسجد أو غيره ، فالأصل أن الثواب له ، لأن المال صار ملكا له بإهدائك له .
ومع ذلك ... فيرجى لك الخير والثواب ، وأن تكوني مشاركة له في الثواب ، لأنك كنت السبب في كونه يتصدق بهذا المال .
وفضل الله تعالى واسع ، ولا يضيع عنده أجر عامل .
والله أعلم .
تعليق